الخميس، 9 يناير 2014

الذاكرة السياسية وثقافة الانتظار

الذاكرة السياسية وثقافة الانتظار
وقت تتطلع فيه الأمم نحو مزيد من الرفاهية، وفيما تحلم الانسانية بالعدالة الاجتماعية ويعمل الشباب متطلعا نحو أفقٍ أكثر وحرية واحتراما لذاته وكرامته، نجد ان المناخات الفكري منها والاقتصادي والاجتماعي تزداد ترديًّا وضبابية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي لم تهدأ يوماعبر التاريخ مما دفع بشعوب تلك المنطقة الى الدخول "طواعيًّة " الى المجهول عبر الانتظار في ثلاجة الماضي منتظرين فرجًا "عجائبيا"، مما شكل ضربة قاضية لكل الأحلام التي راودت البعض عقب ما سمي بالربيع العربي الذي لم يزهر.
فقد شهدت الأوضاع في الآونة الأخيرة تأزمًّا واضحًا وتدهورًا إنسانيًّا فاضحًا، بدءًا من الحرب في سوريا مرورًا بمخيمات اللجوء والنكبات، مرورًا بموجة الاغتيالات في لبنان التي تدفع بالوضع نحو الهاوية وشفير حرب أهلية، وصولا الى الفلتان الأمني في العراق. وعند تحليل المشهد على المستوى الداخلي كما على صعيد العلاقات الخارجية، نجد أنّ الاتجاهات كلها تصب لمزيد من "تأجيل" الأزمات ودفعها الى "ثلاجة المجهول"، وليس مؤتمر جنيف 2 المزمع عقده الا حقنة مخدر لتسكين بعضًا من الآلام لكارثة محققة.
الأمر الخطر في سياسة الثلاجة تلك، هو انّ الانسان العادي في تلك البلدان أضحت عملية الانتظار جزءًا من مكونات هويَّته الأساسية، لذلك فهو لم يعد يواجه الأزمات بل يحتجب عنها بذريعة الانتظار، لقد فقدت الشعوب القدرة على مواجهة أزماتها المعيشية ناهيك عن السياسية والاجتماعية والفكرية.
لقد توقف الزمان بالنسبة لهؤلاء في لحظة تاريخية، وأصبح وجود "عدو" أمرًا ملازما للتفكير في كل الأمور، و أن هناك مؤامرة دائمة مستديمة مستمرة في كلّ الأوقات.متذرعين بذاكرتهم الماضية السياسية المثقلة بالآلام والاحزان.
الاشكالية إذن تقع في ان وجود العدو صار جزءًا من الهوية، سواء كان هذا العدو عدوًَا متخيّلا أم عدوًّا حقيقيًّا، و"العدو" هو الذي يُحدد الهوية التي يضعها كحاجز وسياج عالٍ بمقابل الآخر، كما أصبح وجوده وسيلة مستأنفة لتأجيل الضرورات الداخلية ومطلبات الشعوب، الأمر الذي جعل الاوضاع الداخلية متعفِّنة، و ذريعة دائمة من قبل السلطات، لاعلان حالة طوارئ مستمرة... فالانتظار يُطرح كحلٍ للمشكلات التي لا يرغب المسؤولين في معالجتها ومواجهتها من جهة، كما انه مخدر ممتاز للبشر من جهة اخرى.
وفي هذا الاطار نجد في التصريحات الرسمية الخارجية والتصريحات الداخلية، والسجالات السياسية الدائرة ضمن أطياف الشعب الواحد، و ان سمة اللامباشرة واللف والدوران هي محور الخطاب علاوة على بنى التفكير، الامر الذي جعل "الانتظار" والوقوف خلف "الستائر"، هو الطريقة المثلى لتأجيل الأزمات، علاوة على مفعول الوهم الذي يبعثه "الستار" عندما لا يُنظر إليه كحاجز.
وللخروج من هذا المأزق ولو فكريا لا بد تحفيز الوعي عبر الكلمة الحرة واطلاق فكر مستنير بحيث يرتبط مفهوم الذاكرة ايضا بالحاضر والمستقبل وهو ما لفت له المفكر مارتن هايدغر عندما اشار الى الذاكرة الحاضرة وضرورة ارتباطها :" بكلّ ما سيأتي" كونه " يلتقي في وحدة الحضرة التي تتخذ كلّ مرةٍ طابعًا خاصًّا "
نعم الذاكرة السياسية وحتى الحضارية بطبيعة الحال لا بد وان ترتبط بالحاضر الممتد الى المستقبل بحيث تكون حريّة الكائن الإنساني مطلبًا وجوديًّا أساسيًّا، وان تحمل هذه الذاكرة تطلعًا ومقدرة على الانفتاح اللامتناهي مع مفردات الكون، واللاتناهي نحو فكر محدد، كما تنبني على طرح جديد لإرادة المعرفة قائمة على فك الارتباط بنمط واحد من انماط الزمان وهو نمط الماضي، و شكل واحد من اشكال الواقع، فإن كلّ هذه المفاهيم تبعد هويّة الكائن عن الخشبية والثبات والانعزال المنغلق... وتساهم في دفع الإنسان نحو الابداع الامر الذي يحقق تقدم فعلي في مسيرة الأمم ويؤدي الى نماء الأوطان.
- See more at: http://www.elaph.com/Web/opinion/2014/1/865749.html?entry=opinion#sthash.L4j8Yier.dpuf