Marwa Kreidieh |
مروة كريدية تبدع الأدب فلسفة و ترتقي بالسياسة الى الجمال
وكالة أخبار المرأة - تحاور الأديبة والتشكيلية اللبنانية مروة كريدية
أجرت الحوار : نجوى شمعون
هنا نرتقي نصعد سلالم الروح بدهشة وألم وهدوء كامل في ممرات النفس في قفزة ضوء للممر المعتم فينا تنزلق العتمة وتبتعد تنفض ما علق بثوبها من غبار كنبوءة صغيرة تهز البياض وتفتنه كأن الكتابة نبي أو وحي يوحى كيف يمكنك أن تحاور النفس وهى تقرع أجراس الحياة في مداخلات متشابكة تتلفها الحرب حيناً وحيناً آخر تقرعها صرخات الضحايا ليس أثقل من فزع روح حين تتهاوى بها الجراح الكتابة تشفى الجروح لكن الندبة من يشفيها من وجعها كاتبتنا مروة كريدية تتجاوز مناطق الألم أكثر بكثير بالأدب الذي ينحاز للجمال وللروح هادئة في جمال يشي بروعة دواخلها نتهدل فيها كلما قرأنا من كنوزها وغاباتها وتحفها
ينفلت الجمال مرة واحدة لا لجام له وحده يأتي مزهواً وبكل ثقة يتغلغل في الضوء ويمتزج ويتكاثر يخفف من حدة العتمة لتنهار
مروة كريدية كاتبة لبنانية مرهفة ومخلصة لقضاياها بامتياز متقن لا تنحاز لجهة على حساب أخرى ولا تقف ضد ديانة أو عرق أو فن هى لا حدود لأفكارها ولا لفنها،كتاباتها هى لوحة بحد ذاتها ناطقة وتتحرك في كل مكان كما لو كانت الكتابة واللوحة تمثال آدمي تصب فيه الدم الطازج فيركض في كل مكان،ليست الكتابة وحدها انها لصيقة الفنان المتعدد المواهب والهادئ والصاخب تطل علينا من بقعة ضوء
تتجاوز الكاتبة مروة كريدية في حوارها الأبعاد الشكلية للأدب والفنون لتتصل بالفلسفة والوجود، وهي تطل عبر مقاربة كونية وتُعمل الأخلاق في السياسة كاشفة عن ينبوع المحبة والفطنة الكامن في الانسان ، وتشير الى ان مواكبتها لأتون الحرب الأهلية والأحداث الطائفية في لبنان جعلها ترفض بشكل قاطع كل عنف وتدين كل اصطفاف.وترى ان اعمالها وكتاباتها هي محاولة لفتح ثغرة بسيطة، في أفق كونية الانسان اللامتناهية، في عصرٍ تنازعته فيها شهوة السلطة والسيطرة، وغَالبه جشع الاستهلاك، واكتوى فيه بأتون الحروب، وغرق فيها في دماء الصراعات، وأضحى أسير عنف دائمٍ مستديم… أدى إلى بتره عن كونيته الأصيلة وحُوصِر في دائرة أناه وانفعالته. كما تطالب المرأة بفرض حضورها وعدم استجداء المطالب من مجتمعات ذكورية احترفت ممارسة الفوقية، لان الثقة بالنفس وتقدير الذات سرّ التألق ومكمن كل إبداع .
****
"المرأة روح القصيدة رمز الجمال ….
ومعاناة الحرب الأهلية جعلتني أرفض بشكل قاطع كل عنف وأدين كل اصطفاف"
o نستشعر بالبعد الفلسفي لكتاباتك وقصائدك من أي الموضوعات تنطلقين عادة ؟
أي ابداع لا يُتقنُ من دون عِشق او شغف يَشف الفؤاد فدوافعنا تنبع من هَوى – بِغض النظر عن توجه هذا الهوى – هذه النوازع التي تَختلجنا تتنوع وتطور بحسب الأحوال التي نمرّ بها وتعكس تطور خبرتنا الحياتية والنفسية، بالنسبة لي عكست بعض كتاباتي الفكرية خبرات عملية حياتية تناولت قضايا اجتماعية تتعلق بسلوك بني البشر .
اما الخواطر على وجه التحديد، وسميها ان شئت "قصائد" فهي تَخط سيرة روح وخبرة ذات في علاقة مع الأزلي مع المطلق على نحو يتجاوز الظاهر السطحي الى العمق حيث الصوفية الحقة ؛ لذلك تبدو الخواطر "جريئة" و "عارية " تتسم بالحرية لأنها تختبر العلاقة مع الأبدي او اللاتهائي الكامل في اتساعه وعمقه دون قيد او حدّ .
o للمرأة حضور في دواوينك "معابر الروح " و "لوامع من بقايا الذاكرة " فهي المعشوقة و رمز الجمال ، ماذا تعني لك المرأة ؟
الحب والعشق المتجسد في بعض القصائد كناية عن تلك العلاقة مع الابدي وفي تلك الآنة تتفكك هوية الكائن الانساني وتتلاشى "انتمائه"، وتغيب تماما الفروق النوعية بين الجنسين وتصبح النظرة للكائن الانساني بكاّيته لا بخصوصيته البشريته .لذلك فإن "الانثى " الواردة في قصائدي لا تعني المرأة ، بل مقام روحي تنعكس فيه التجليات الوجودية وهي كمرآة للجمال في عالم استثنائي ساحر وهو بعيد عن الواقع المبتذل الذي يستنزف اشراقة الروح .
لأن ما يُسمى ب "الحب" كمصطلح متداول اصبح يعني الاستهلاك والامتلاك ؛ والتعلق بالاشخاص يشبه الى حدّ بعيد عبادة الاصنام، فيقع المرء فريسة ما يقدس ويصبح سجينا له سواء كان متعلقا بأيديولوجية او دوغما و عقيدة منغلقة او شخصية .
أما ديواني "لوامع من بقايا الذاكرة" فهو انعكاس لبعض المفاهيم الفكرية والفلسفية حيك بأسلوب سِرَّاني، لانه ينطلق من الخبرة الروحية ، فكل شيئ يوحي بوحدة الوجود، و وحدة القضايا الانسانية، و وحدة حقيقة الحكمة الانسانية الخالدة على الرغم من تبدل الأشكال وتمايز الصور.
o ماهو تأثير مدينتك ومجتمعك على كتاباتك ؟
بطبيعة الحال فإن المعايشات اليومية لها أثر في وضع الانسان، فالوضع الاجتماعي والوظيفي والمحيط السياسي بما فيها الحروب قد تصدم او تدمر ذواتنا، كما يمكن لها ان تكون حافزا للابداع فتطلق امكاناتنا ومواهبنا الداخلية العميقة اللامحدودة .
انا ولدت في بيروت وعشت بها حتى انهيت دراستي الجامعية ، فمعاناة الحرب الأهلية التي مرت في طفولتي والتشظي الأسري وتناقضاته والصراعات الاجتماعية والطبقية والطائفية التي شاهدتها…والتي خلقت أهوال فظيعة مشحونة بالعنف والكراهية والحقد كلها أحدثت نوع من الانقلاب الفكري في مفاهيمي جعلتني أرفض بشكل قاطع كل عنف وأدين كل اصطفاف. بعبارة أخرى جعلتني أغادر مستوى الواقع الدامي وادين كل تقوقع. ولا أدعي اني وجدت طريقا بل ثابرت كي اتلمّس حرية روحي واعمل على تحقيق مصير أكثر اشراقا وكما اني واعية لنواقصي لان الجدارة هنا تكمن في هذا الوعي لمحدوديتي ككائن بشري ولكونيتي اللامحدودة كإنسان كوني عار عن كل تبعية .
" لست كاتبة ولا شاعرة …
ماأقوم به حصيلة صُدف وجودية من تدبير القدر "
o ما هي العوامل المؤثرة في هذه المسيرة الابداعية التي تتنوع بين الكتابة الفكرية والشعرية والرسم أين تجدين نفسك في الأدب ام التشكيل ام العمل الثقافي ؟
بداية الابداع لا يقتصر على المثقفين او الادباء او الفنانين …وارفض الادعاء اني واحدة منهم… ربما ما اقوم به هو نتيجة مفارقات وحصيلة "صُدف " وجودية ادت الى وضعي الحالي، ولكن أكثرما أقوم به هو ما احب ان اكون عليه.
أكرر ما أشرت له في مقابلات سابقة ويوم تلو آخر أشعر بترسخه، وهو اني لست "كاتبة" ولا "شاعرة" و لا "رسامة " ولا أي توصيف مهني او وظيفي او حتى توصيف سلوكي .قد أكتب او ارسم او حتى أغني لطفلي او أقوم بخدمة عائلتي، المهم اني أعمل كيفما تقودني الصدفة لأن أعمل، ولا أدعي البتة بأني أعرف أو أحترف أو أمتهن أي شيئ مما أقوم به ، لكن عندما أتمعن في خطوات مسيرة حياتي أتلمس أن جزءا كبيرا منها كان بوحيٍ من الروح وتدبير القدر .
لأن حياتنا اليومية كبشر ليست الا عبارة عن سلسلة من التسويات التي نقوم بها ونعتقد انها صحيحة او خاطئة، بيد ان تَدافُع الايام يكشف لنا فيما بعد عن مدى صلاحها اوخرابها ، فكثيرة هي الخيارات التي اتخذناها ونحن نعتقد بصحتها لحظة اختيارنا اثبت لنا الزمن فشلها ، وكثيرة هي الخيبات و "الفشل " الذي تعرضنا له كشفت لنا الحياة فيما بعد انها كانت لصالح نموّنا الروحي وايقاظا لخبراتنا الكامنة.
****
"رؤيتي السياسية لا تخرج عن دائرة الوعي والتأمل واللاعنف مبدأ كوني
لا اعتقد بجدوى السلاح….. ولا أؤمن بأي ثورة مسلحة"
o هل هذه الرؤية الروحية تدخل ايضا في كتابتك السياسية ، علما ان البعض يرى ان السياسة والاخلاق لا يجتمعان ؟
رؤيتي للأمور الاجتماعية والسياسية لا تخرج عن خبرتي الروحية، فأنا أؤمن باللاعنف والتداول كرؤية سياسية، وأناهض الاستهلاك والاحتكار في مجال الاقتصاد والتجارة ، و اؤمن بالصفح والمحبة والرحمة والعدالة في العلاقات الاجتماعية، وارى ضرورة الاستنارة في الامور العقلية وأجد ان الحفاظ على البيئة واحترام الطبيعة والرفق بالحيوان والتعامل مع الكائنات بعيدا ان الاستهلاك الفظ للنعم الطبيعية من صلب كونيتي. وكل هذه الأمور تنضوي في دائرة الوعي والتأمل وتمام اليقظة الروحية .
فخبرة الروح تتجلى في كافة أشكال المادة ، اللاعنف لا يعني فقط القضايا الكبرى والسياسية بل يتجلى في أبسط سلوك نقوم به في حياتنا مع الآخرين انه تربية النفس وتدريبها للحد من غطرستها تجاه الأغيار لاننا كثيرا ما نمنح انفسنا "السلطة" ونمارس القمع تجاه الاخرين بحجة اننا أكثر فهما منهم ! ونمنح نفسنا حق احتقار الحيوانات وتعذيبها علما انها لا تؤذي أحدا ان وجدت في بيئتها الطبيعية .
o هل طرح مبادئ اللاعنف في السياسة سينهي العنف ؟
لا أعتقد ان الإضاءة على اللاعنف وطرحه سينهي العنف ، ولكن ما نقوم به مثله كمثل ماسحة زجاج السيارة لا توقف المطر ولكنها تجعل رؤية السائق واضحة ، عندما يعي الانسان شروط الواقع المحيط به ويفتح عينيه جيدا سيجد عمق العنف المتحكم به والعنف الذي يمارسه دون دراية، عندها سيتغير من الداخل ويرى جمال المشاركة وسحر الطيبة بين البشر .
o من وحي "الربيع العربي " ، ما رأيك اذن بالثورات ؟
لا اعتقد بجدوى السلاح، انه مدمر في كل الاحوال. ولا أؤمن بأي ثورة مسلحة مهما كانت غايتها "نبيلة" لانها متأسسة على الغضب والتسرع والانفعال والانتقام والثأر، وهي امور مدمرة، الثورة اللاعنفية هي تلك التي توقف شتى انواع التعاون مع اجهزة القمع، وتمانع بسلمية تامة شتى انواع الظلم بحيث تجعل الآخر المعتدي في موقف اخلاقي ترغمه فيه على التخلي عن غطرسته. وهذا السلوك يحتاج لشجاعة مميزة وهي ان تقاوم الظلم دون ان تحمل اية ضغينة تجاه المعتدي.
o هذا يعني انك تعالجين موضوع العنف المادي والسياسي بالأخلاق ؟
لقد حاولت في كتابي فكر على ورق ان القي الضوء على تفكيك مملكة الارهاب الفكري عبر مقاربة وجودية واشرت في المقدمة الى اني :"لا أوجِّه من خلاله بمقتربٍ فكري تام، ولا أطرح عبره بديلا مقدَّسًا، ولا أدعي فيه ملكية الحقيقة، ولا أسعى منه للتبشير بشيئ، ولا أقدمه على انه وصفة سحرية لداء فتاك …فَجُلّ ما سعيت إليه محاولة فتح ثغرة بسيطة، في أفق كونية الانسان اللامتناهية، في عصرٍ تنازعته فيها شهوة السلطة والسيطرة، وغَالبه جشع الاستهلاك، واكتوى فيه بأتون الحروب، وغرق فيها في دماء الصراعات، وأضحى أسير عنف دائمٍ مستديم… أدى إلى بتره عن كونيته الأصيلة وحُوصِر في دائرة أناه وانفعالته."
o نجد ذلك ايضا في كتابك الاخير "استراتيجيات الامل في عصر العنف" ؟
نعم كتاب "استراتيجيات الأمل " اتى مكملا لكتاب "فكر على ورق" وهو تعرض تصريحا للعنف وتساءل عن معناه، وحدوده، وتجلياته في السياسة والاعلام والاقتصاد وتناولت فيه موضوع الديموقراطية والعصيان المدني وانسنة السياسة والاقتصاد، فمسألة العنف تتراوح بين عنف الخطاب وإكراهات الواقع، كما تناولت من خلاله إشكاليات العنف الرمزي وأشكال الهيمنة التي نجدها في تاريخ البشر المليئ بالحروب ؛ مع التمحيص في الاسباب الفكرية المؤسسة للعنف والتي اهمها انشطار الفكر البشري عبر المنطق الثنائي العاجز. لاننا كبشر دوما نتشظى في دائرة الثنائيات (الحب والكره – الخير والشر – العدو والصديق ….. ) بيد ان هناك دوما مستوى ثالث مغاير .
بالمناسبة ،هذه الطروحات ليست "خلقا جديدا " او "اختراعًا عظيما " بل نجدها عند الهنود الأدفيتيون كما عند المتصوفة من كل الأديان كما نجدها في بوذية الزن ، هذا ما نلمسه عند كونفوشيوس و غاندي و ابن عربي و الحلاج و سبينوزا …
o هل تعتبرين ان دعوتك الى اللاعنف رسالة او ايمان يجب الدفاع عنه ؟
لا. لا ادافع عن ايماني او معتقداتي او كتاباتي او اعمالي … ببساطة شديدة هي مجرد نثرات فكرية تصيب وتخيب وتطور وتتبدل، لا احب ان اكون "طرفا" بل اقبل بمحبة كل ما يدور من حولي ولست "مناضلة" بل مجرد انسان يحاول ان يتناغم مع الطبيعة وموسيقى الكون والوجود.
****
"لوحاتي ليست ذو قيمة فنية بل مجرد خربشات …
واتساع المعنى لا تستوعبه الريشة دائما"
o بالعودة الى أعمالك التشكيلية ، هل تختارين ألوان محددة للوحاتك أم تعتمدينها بحسب احساسك بالواقع ؟
اللون مدعاة للتأمل وتنكشف من خلاله المضامين. وعالم الرسم والتلوين عالم بديع ساحر تجدين من خلال المزج معادلات رائعة تتمازج لتعكس الموجودات والظواهر وتشكلات الطبيعة وتوازناتها، وبعض اللوحات ربما تحمل قيمة تجاوزية للمألوف تكشف بدائل وتتداعى الخطوط لتستكنه الجوهر .ومهما يكن فإني اتّجه نحو "البدائية " في التشكيل والتعبير لدرجة اني ألآمس عمل الاطفال في التسطيح احيانا ولا ضير في ذلك لان اتساع المعنى احيانا لا تستوعبه الريشة.
في وقت من الاوقات اتسمت لوحاتي بالألوان الترابية ومشتقاتها وفي احيان اصطبغت باللون الأحمر والاصفر وما بينهما، ومرات في زرقة البحر تبحر الريشة حتى تغيب في حمرة الشفق.
على اية حال اعمالي كلها لا يمكن ان تصنف بانها "لوحات" ذو قيمة فنية بل لا تتجاوز خربشات ألوّنها بشغف بالغ .
أما في بداية اعمالي التشكيلية فكنت غالبا ما أحاول ان أحاكي لوحات فنية عالمية معروفة فأعيد رسمها على طريقتي ، فمثلا اعدت رسم لوحة أعمال الفنان المشهور فريديريك ارتور بريدحمان التي صور فيها الحياة في القاهرة في القرن الثامن عشر؛ ولكني الآن اتجه نحو التجريد والتبسيط .
o ماذا عن المرأة في لوحاتك ؟
المرأة في لوحاتي كما في كتاباتي تمثل مقام الانثى كما تجسد بعض الواقع "الغير عادل " بحق السيدات. فلوحة السجينة مثلا تمثل البعد الاجتماعي في التعاطي مع المرأة، لأن المرأة سجينة تصور انها كائن يحقق "المتعة " فهي اما المرأة السلعة السليكونية او المرأة التي يجب ان تُخبأ خلف الستار وتحت العباءة. وفي كلتا الحالتين هي سجينة تصور نمطي يستبعد بعدها الانساني ، والمرأة كما الرجل انسان ينبغي ان يحقق تمام انسانيته والمرأة الانسان هي الأم والحاضنة لكافة تجليات الرحمة والجمال . أما في لوحة "الصرخة" التي تجسد امرأة تصرخ في وجه أتون الحرب . فباعتقادي ان الأمهات قادرات على وقف دوامة العنف من خلال المحبة التي يهبنها لأطفالهن والسلمية والرأفة التي يزرعنها في قلوب أولادهن.
o اذن هل تدافعين عن حقوق المرأة في كتابتك ولوحاتك ؟
أشرت لك اني لا أتبنى أي موقف "هجومي " او "دفاعي " أفضل الموقف الانساني ، ولم أرغب يومًا في الكتابة للمجلات المسماة نسائية . لا لشيء بل لأنها مجلات بمعظمها تكرس الحماقة والثقافة القائمة على الاستهلاك والتبعية في مجتمع ذكوري. ولا أحبذ تخصيص المرأة برأي او برنامجٍ خاص في وسائل الإعلام لأن التخصيص من وجهة نظري يكرس مبدأ الفصل في الفكر الإنساني.
تحدث كثيرون باسم المرأة وحقوقها والعنف يطفح من نفوسهم وسلوكهم وتحدث آخرون عن الحرية وهم طالما تذللوا أمام جلاديهم.
لذلك من الأجدى ان نكتب للإنسان والكون بشكل عام ، فالوعي بإنسانيتنا سيجعلنا نُنصف كل من حولنا ونتعامل معه بعدالة سواء كان رجلا ام امرأة ام طفلا ، أو حيوانا أو حتى البيئة الطبيعية من حولنا فنتعامل معها بمبدأ الرحمة وعدم الأذية .
عندما نطل الى العالم بعيون كونية وقلوبٍ محبة سنخرج تلقائيا من دائرة الاصطفافات والتقسمات في هذه اللحظة تغيب عنها على الحقيقة أبعاد التقسمات البشرية وتبقى الأمور الكونية الكليّة .
o لكن كيف تنصحين السيدات بالخروج من دائرة الرجل الى الدائرة "الكونية " كما تسمينها ؟
لنحترم إنسانيتنا كسيدات أولا ونفرض حضورنا ونكفّ عن استجداء المطالب من مجتمعات ذكورية احترفت ممارسة الفوقية، فلسنا بحاجة لاعتراف أحد بإنجازاتنا ، فالثقة بالنفس وتقدير الذات سرّ التألق ومكمن كل إبداع .
فالحرية –كما أراها - هي الخروج من دائرة الاشخاص الى مجرة الحياة الشاسعة .. وعندها لن نضطر لكتابة مقال خاص بالمرأة وآخرللرجل بل سننعم بانسانيتنا في اطار كوني يتجاوز كل انقسام .
******
" نوع جديد من الكتابة الأدبية سيظهر وجيل الشباب الصاعد لم يعد يكترث ب"المطولات " وهو لا يأبه باعتراف "النقاد التقليديين" به."
o في شأن آخر من وجهة نظرك هل شكل الموقع "الفيس بوك" اختلافاً لتجربتك الأدبية والفنية أم لم يضف الكثير ؟
بداية عالم الأنترنت شكل وسيلة اتصال عالمية رائعة وهذه الوسيلة اتاحت لمستخدميه التواصل السريع ، وكما كلّ الوسائل فهي إما ان تُستخدم لخدمة الانسان بشكل رائع او ان يكون وسيلة مدمرة نتائجها مريعة .
عن تجربتي الشخصية فإني بطبيعة الحال خضت العالم الافتراضي عبر الشبكة العنكبوتية، بداية عبر المجلات الالكترونية الرسمية والمنتديات ثم عبر مدونتي والآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فيس بوك ويوتيوب ، ولا ندري غدا ما هي الآفاق التي ممكن ان يفتحها لنا الفضاء السيبيري .
من جهتي في بداية كتاباتي الإلكترونية تعرضت لخيبات كثيرة ومواقف فاشلة، بداية هجوم من زملائي في الصحف الورقية مع بداية عام 2000 مستهزئين بما ما اسموه ظاهرة "كُتاب الانترنت " ولكن أثبت المدونون جدارتهم وكسروا الاحتكار النخبوي الذي كان يمارسه مديرو التحرير والانتقائية علاوة على مقص الرقيب الذي يتدخل في كل كبيرة وصغيرة .
كما ان الكتابة الالكترونية والنشر الالكتروني تحفه "المخاطر " لجهة طريقة تداول وانتشار المعلومة ،إذ ممكن ان تُجتزأ المعلومة ويتم تداولها بشكل مغلوط مما يعرض صاحبها للاجحاف ، ومن الامثلة ، اتهمني احد القراء (الذي لم يذكر اسمه) بالاقتباس عن كاتب آخر علما ان مقالتي الاساسية ذكرت فيها المراجع العلمية بحذافيرها ودقتها وناقشتها وكانت من باب الاستدلال العلمي، وكان سبب الخلل ان احد المواقع الاكترونية حذف الهوامش والمراجع عند نشر المقالة دون علمي بالأمر. ولكني استمريت بثبات وجدارة لأني في مدونتي أوثّق كل التفاصيل واحرص على الدقة .
بالعودة الى مواقع التواصل الاجتماعي فإن كثيرين من اصدقائي أعرفهم شخصيا واثق بهم وهم اصدقاء "صدوقين " واتواصل معهم دون وجل، كما يوجد اشخاص حقيقيون بأسمائهم الفعلية اعاملهم باحترام ، ايضا هناك اشخاص افتراضيين لا اعرفهم اتعامل معهم بحياد وحذر، ولكن احرص كل الحرص الا اسمح بنشر أي من الشتائم او الاصطفافات او التهجم على أي كان في صفحتي.
أدبيا ، ربما الفيس بوك وتويتر علمنا "الايجاز " في التعبير عما نريد بشكل بسيط ومختصر بعيدا عن المطولات، واعتقد ان نوع جديد من الكتابة الأدبية سيظهر مع الوقت لان جيل الشباب الصاعد لم يعد يكترث ب"المطولات " من الكتب والمقدمات المملة وهو لا يأبه باعتراف "النقاد التقليديين" به. وفي ملتقى أدباء الخليج الذي انعقد مؤخرا في دبي تمت مناقشة هذا الموضوع وقد أشرت لبعض المشاركين ان على النقاد ان يكونوا أكثر تواضعًا وان يتعاملوا بمودة وانفتاح مع جيل الكتاب الجديد الذي اتجه نحو النشر الالكتروني مضربا عن المعارض وساخرا بالناشرين الذين يضعون القيود ويستنزفون جهود الكاتب .
o أخيرا ، هل من جديد تحضرين له ؟
لقد أنجزت مجموعة سردية تمتزج فيها القصة بالخاطرة الشعرية سميتها " عواصف النسيان " تروي سيرة ذات "فتاة" خلال مرحلة معينة .مزجت فيها بعض الوقائع بالفانتازيا وقد جاءت نتيجة بهدف مواجَهَةِ مَصاعبَ العيش مواجهَةً بَنَّاءة، وجهدٌ دؤوبٌ لوعيّ النوايَا السَيِّئَة والطيبة جميعها، وفهم مشاعر الكَراهِيِّة التي تَتلاشى على الحقيقةِ دُونَ جَهدٍ بِحُكمِ نضج الحكمةِ وَتَمَامِ التَّأمُلِ واكتمال المحبَّة.
****
مروة كريدية |
الكتابة الشعرية ودهشة التصوف في حوار مع مروة كريدية
مقام الأنثى حاضن للتجليات …ولحكيم الأندلس مكانة في قلبي !
أجرى الحوار الشاعر والناقد : أحمد الدمناتي
مروة كريدية ليست "شاعرة " بالمعنى المألوف للكلمة، وإن كانت كتاباتها تغازل هذا الفن الأدبي؛ هادئة تتحرك في حياتها بتناغم يلامس تخوم السكينة؛ تَتَحلّى بحسٍّ عرفاني مُتَّقِد، وتؤمن بوحدة الوجود، تعترف أنها ما وصلت إلى ما وصلت إليه في مسيرتها لولا "إخفاقات" عديدة أزهرت هذا النماء، وترى أنّ ممارسات الكائن الانساني لا تنفصل عن بعضها ، وأن جوهر الممارسة الروحية لا ينفصل عن الاعمال اليومية بما فيها السياسة والاجتماع …
كريدية لا "تحترف" شيئًا بعينه ولا تسعى لتحقيق "الانجازات " على حدّ قولها، بل تؤكد أن جلّ ما تقوم به هو جزء من حركة كليَّة غير منقطعة، لذلك فهي تتصرف بتلقائية حسب الظروف. الكتابة بالنسبة لها كسائر شؤون حياتها انعكاس للخبرة المُعبِّرة عن ينبوع حبّ كامن ينكشف إبداعًا بوصفه كمال التناغم اللامتناهي بين مكونات الوجود، فالابداع عندها ليس حكرًا على أحدٍ أو على فن بعينه بل هو الوجود نفسه، وتؤكد أنَّ الحرية تكمن في الانعتاق من الرغبة الدائمة بالتملك والحرص والتشبث، فالتخلي عن "أن نريد" يورث السعادة ، كما ترى أن "النجاح الشخصي" لا قيمة له على الحقيقة إذا ما وضع في إطار إنجازات الحضارة الإنسانية، فلا يوجد شخص يستطيع أن ينجز بمفرده لأنه جزء من الكل الكونيّ.
· بداية ما هي الكتابة الشعرية وماذا يُشكّل بهاء الكلمة بالنسبة لك ؟!
شكلت الكتابة بالنسبة لي الآنَة الإبداعية أو اللحظة التي تنبجس فيها الكلمة لتكون وحيدة ذاتها تنطلق بتلقائيتها صوب الخيال الجامح اللانهائي ، ومع تطور مسيرة الذات الواعية حيث العقل ينحلّ بالتأمل، ويتلاشى البصر بالبصيرة الى ماوراء رؤية الموجود، يهدأ الذهن فتتولد المحبة الخالصة العارية عن الأدلجة و "العقائد" و"التجمعات" الفكرية، عندها يتوحد الكاتب مع "الكثرة" المحيطة به وحدة غير منقسمة تتجاوز حتى الكلمة نفسها فيتحقق الصمت … وتضمحل الكلمات وتصبح الكتابة إفصاحا عن جمال في أدقّ تجلياته… إنها كشف للبساطة والبراءة والعفوية وفيض لا محدود للعذرية .
· القصيدة خائنة المواعيد بامتياز ومتمردة على أدبيات اللقاءات الروتينية, ما هو الوقت الجميل للقبض على دهشة القصيدة وحرائقها الباذخة !؟
في بداية عهدي بالكتابة كنت أخط خواطري عند شعوري بالرغبة في الكشف عن مكنونات النفس، أما اليوم فإني لا أسعى لأيِّ شكل من أشكال "المهام" بل جلّ ما أقوم به هو اكتشاف الجمال الكامن الموجود حولنا في كل مكان والمُتَبَدِّل بعدد الأنفاس … حيث لا وقت ولا طريقة عمل ولا مرجعية فكرية، فالجمال قائم دائم، كقطرة مطر تنساب في جدول؛ في غناء الطيور كما في وجه الأطفال، حيث ينكشف الابداع بوصفه كمال التناغم اللامتناهي بين الأكوان المتكونة والحقيقة الواحدة المتجلية في كل تلك الكائنات.
· هل نستطيع الاستنتاج أن ديوانك الأول "معابر الروح " هو كشف عن "النفس" فيما ديوانك "لوامع من بقايا الذاكرة " هو اكتشاف للجمال ؟!
القارئ ربما يلمس فرقًا في البنية الدلالية للموضوعات فعند المقارنة بين خواطري الواردة في "معابر الروح" وبين " لوامع من بقايا الذاكرة " سنجد أن اللوامع أكثر عمقًا وإنْ اشترك الإصداران في التجربة الوجدانية .
ففي اللوامع أعبر فيها من طورٍ لطور ليس بالمعنى الكتابي وحسب بل بالايقاع الصوتي، فتغدو أنويَّتي على لسان الغير ناطقة، فيما ألوذ بمقام التأمل الصامت المنصت الفاني عن ذاته، في فراغ تام فيُلامس القلب ماهو لازمني فارغا من ذاكرة الماضي وان كان يستعملتها بوصفها فكرًا حيث الفراغ هو الكامن اللامرئي في الفن البصري.
· تحضر الذات بشكل صارخ في قصائدك فهل "مروة كريدية " هي المتكلمة أم أنها "الأنثى" ؟!
الذات المتكلمة في القصائد موجودة حتمًا، بيد أنها ليست الذات "الشخصانية الفردية الصورية"، فهي وإنْ وُجِدَت من وجه فإنها تعكس ذات الانسان الذي لا يوجد على الحقيقة إلا بمقدار النور الرباني الباهر المتجلي من خلاله .
· وماذا عن الحضور الأنثوي الباذخ الذي يوحي ببعض جوانبه بالمجون السافر؟!
الانثى الحاضرة في "لوامع العشق" تبدو للقارئ العادي مجرد وصف شَبَقِ لامرأةٍ توّاقة للحبيب بجنون، وصاحبة تشوف "ايروسي" يشكل العشيق فيه مصدر إحساس باللذة، وقد تبدو فيه الأنثى كمجرد تقابل ثنائي منهجي ، تتبلور إشكاليته وخواتيمه أمام الذكورة، حيث يتجلى بحث المرأة عن اللذة من خلال البوح بألمها الذاتي عن طريق الوظيفة التعبيرية باستعمال ضمير المتكلم "أنا"…
نعم ، هكذا قد تبدو العبارة بقرائتها السطحية… بيد أن" حضرة الأنثى" التي أعنيها هي ذاك المقام الروحي الأزلي… هي الأنوثة التي ترتقي من عالم الأبدان إلى البعد الانطولوجي حيث الشعاع الفائض عن الألوهة، فتغدو صورة الرغبة الجامحة عند الأنثى هي مرآة تعكس الفيض النوراني ومكان استقطاب الواردات الإلهية… أما العري الانثوي التام المقصود فهو تمام "الجهوزية" لتلقي تلك الواردات ، والوعي عندها لا يكون موجودًا إلا بقدر وجود هذا النور !
· ولكن، إن كان الحبيب المقصود هو "الله" فإن ذلك يندرج ضمن شطحات الصوفية الذين اتهموا "بالحلولية" ! فهل هذا ما تعنيه؟!
إن الخطاب الوارد في القصائد الذي يتناول توحد الحبيب بالمحبوب، لا يُقصد منه "الحلولية " بل هي خبرة تتعدى شكليات الصور ، إنها سريانٌ تخللي للنور الالهي الذي يستهلك العارف في حالة "الفناء التام عن الذات" .
ولنتنبه لمسألة : الوجود الإلهي متميز عن المظاهر النابعة عنه بيد ان هذه المظاهر والتجليات ليست منفصلة عنه …
· تقتربين ربما من طروحات الفيلسوف محيي الدين ابن عربي، فهل أنت متأثرة بفكره ؟
قطعًا وبلا شك، فإن لحكيم الأندلس في قلبي منزلة لا يعلمها إلا هو، ولروحه استحضارًا عرفانيًّا لا يخفى على أحدٍ في كتاباتي ، وإنِّي على مذهبه في إيماني بوحدة الوجود، وهو بالمناسبة مفهوم كونّي متبلور في الحكمة الخالدة لشعوب تؤمن بديانات شتى منها مفهوم الأدفيتا الهندي.
· بالعودة إلى "الفن البصري " ؛ نعلم أن لك العديد من اللوحات التشكيلية المميزة، ألا يكفيك الشعر كنوع إبداعي لشغب التمرد وفرح البوح وشطحات الذاكرة في انفتاحها على العالم!؟
فنون الحياة لا تنفصل عن بعضها البعض، فالتشكيل كالشعر من صنوف تجليات مسرى الوجود وموسيقاه، والرسوم تنزاح بالناظر الى بُعدٍ جديد لا تقف عن تخوم الألوان وأبعادها بل تلامس حدود الموضوع أيضا. وأعمالي التشكيلية محاولة لتقديم "اللامرئي" ببعد غنوصيّ عرفاني لذلك فهي رسومات طفولية الشكل وان كانت تحمل دلالات عميقة .
· هل هناك ترجمة للكلمة عبر اللوحات التي ترسمينها ؟؟ أم أن الريشة تعري ما أخفاه قلمك؟!
عند المقارنة بين خواطري الواردة في "معابر الروح" أو في "لوامع النقط " وبعض اللوحات التجريدية، نجد تناصٌ بين النص المكتوب خاطرة والنص المرئي تشكيلا، فدلالات (العين والغين) جُسدَت في اكثر من لوحة حين تضمحل نقطة الغين لتنكشف حقيقة العين….
كما أن للدائرة حيزّ كبير في القصائد واللوحات على حدٍّ سواء، كون الدائرة لها محور مركزي يوجد الكل فيه وتشتمل على الاضداد….ان مركزها رمز "الوحدة" التي تنعدم معها الفوارق الوجودية وتنحلّ فيها كافة التناقضات كما أن اتساعها يشمل الكثرة اللامتناهية .
· أخيرًا ، كيف تنظرين إلى القصيدة النسائية في العالم العربي بوصفها تعكس بُعدا نضاليا وتحمل همَّ النساء العربيات ورغبتهن في تحقيق المزيد من الحقوق التي يحتكرها الرجل عادةً؟
لا أريد أن أقيم عمل أحد فلست أهلا لذلك، ولن أتناول نقد البنية اللغوية أو حتى الشعرية التي هي من عمل أهل الاختصاص من هذا العلم … أما من ناحية مضامين الموضوعات فإن غالبية ما وقعت عيني عليه من كتابات "نسائية " وحتى "رجالية " تدور في فلك الأنوية للتجمعات الذكورية السلطوية القائم على مبدأ الفصل التام بين وحدات المجتمع الانساني، حيث الصورة مرتكزة عبر المتعة العينية البصرية التي تكرس الاستهلاك الذكوري عبر مقارنات محمومة تتمحورعلى التناظر والصراع الأنوي المفتعل في المجتمع التقليدي.. فتكون فيه المرأة إما الملاك المنزه أو العاهرة الخائنة أو الكائن المقهور المعذب….
المرأة تُقَدّم دومًا على انها الكائن المجتمعي الذي يتشظى في دوامة النزاعات……
انها كتابات أشبه ماتكون "بالشحاذة " الحقوقية و"الاستجداء" المعنوي تسعى من خلفه المرأة الى ان تصل لمكان تعتقد انها "حققت شيئا" ….!
· ولكن أليس من واجب المرأة أن تسعى لكسب مزيد من حريتها ؟
الحرية قبل كل شيئ مسألة إنسانية كونية وليست همًّا "نسائيًا"، عندما يكفّ الإنسان عن المقارنة بكل أشكالها سينعتق، لأن المقارنة وقود الصراعات، فالحرية ليست مرتبطة بالامتيازات "المادية الخارجية" … إنها وعي كونية الذات الانسانية لكونيتها الموجودة أصلا…
إنها ذاتية المنبع… دائمة الوجود… بعيدة عن كل أشكال الصراعات…
فالانسان الحرّ هو ذاك المنعتق من أسر كلّ نزاع وكل خوف، فالحرية أمر غير مكتسب… وربما مقولة "ان على المرء ان يناضل من أجل اكتساب الحرية " تحمل الكثير من المغالطات!
الحرية كالهواء موجودة وما علينا سوى أن نستنشقها، ولسنا بحاجة لاستجدائها من أحد، وليس الانسان الحر بحاجة لاعتراف الآخرين بحريته!
فكم من "أسير" خلف القضبان قابع وهو على الحقيقة حرّ طليق! وكم من "طليق" يمشي في الأرض مرحًا وهو على الحقيقة عبدٌ ذليل !
الحرية حالة ذهن خالٍ من النزاع !
*****
مقدمة ديوان "لوامع من بقايا الذاكرة" – مروة كريدية
أُغْنِيَة اللَّوَامِع
مِنْ بَرِيق رُوحٍ تَصَوّفتْ فِي مِحرَابِ وحدَة الوُجُودِ …. وتَدَثرتْ بِرِداءٍ كَوْنِّي… وَعَبَرَت بِبَرْزَخٍ إشْرَاقيّ …
للعَاقِلات المُتفَتِّحة الانسانية مِنِّي " لَوامع مِن بَقَايا ذَاكِرة"… تُطلُّ إلى الأبديّة… وتَخطُّ شَاخِصَات عَلى دُروب الحَياة…تُفْصِح مِن خلالِهَا رُوحِي، عن بَعض تَجَاربها المُعمَّدة بجمال الواجد وبهائه. … بعضها بسيط عفويّ، وآخر يَعبر إلَى ما ورائيات الوَرَى…بعضها واكب ذَاكرة الوقائع، وآخر رصد لَوامع تيَقُّظ تفنى بها الذّاكرات الماضية
*****
مقتطفات من محاور الديوان وقصائده
خواطر اللوامع في ثلاثة قطوف تَمحورت :" عَنقاءُ الَمَدائن …. لوامِع تسامت فوق الرّماد""لَوامعُ النّقط …..في منازل الرّوح"" لَوَامِع العِشْق …. في حضْرة الأنثى".وهذه النصوص ليست "شِعرًا " بالمعنى الأدبيّ المألوف، غير أنَّها تَنطوي على إشارات خاصَّة لأهل الإبداعِ من هَذا الفنّ، وهي لا تخلو من "الانحراف اللغوي" لغاية أُرِيدت في "الْمَعنى " … في " عَنقاءُ الَمَدائن …. لوامِع تسامت فوق الرّماد" كَلِمات نُسِجت من رحم أرضٍ أبَت إلا أن تُبَادِلَ "شرور" بني البشر بِعطاء لامتناهي …ومن صميم الألَم المُرتَسِم على وجه الانسانية انكفأ عقلي مذعورًا …من هول الحروب والمجازر…. فهبَّت عَنْقَاء السلام مِن تَحت الرَّماد …فالأرض مازَالت كما كانت تََطوي ذِكرى الحروب تحت شجرة الزيتون …وَ بِجُودٍ لا حدودَ له تُشرق الشمس … والغيثُ من السحاب ينْزِل… والعشب ينمو دون استئذان….مقتطف من هذا المحور :
وَأكتُب فِي مُفَكرتِي :
أرَى حَمَامَة تَنْتَفِضهناك عِنْدَ بُرْكَانٍ هَائِجْ
وَقَفْتُ وَهَولُ الدَّمَارِ أَعْمَانِي
عَنْ سِرِّ الجَحِيمِ أُسَائِلُهَا: هل هَيَاكِلُ السَّلامِ بِجَمَاجِمِ الأطْفَالِ تُبْنَى ؟
أَمْ أَنَّ مَمْلكَةَ الرَّبِّ بالأشْلاء حِيكتْ؟وهَل قَرابِينُ الآلِهَة مَذابح رُضَّع؟
دَمَعَتْ رُوحها تَنْهِيدَةً مَلّتْ شُرُورَ بَنِي البَشَر :
الله وَاحِد….
و"آلِهَةُ" الأرْضِ كُثُرفي كلّ آنٍ يَتَقاتَلُون !
وباسْمِ المُكَوّنِ يََتَعاركُونْ!
وَعَلى الإنْسَانِ يتآمَرونْ!……
فَاغْمِدِي….
سَيْفَيَسُوعَ النّاصِرِيِّ مَحبَّةً
فِيِ قَلبِ الكائِنَاتِ
عَلنَّا بالحُبِّ نُعِيدَ بَهَاءَ الوجودْ
*****
"لَوامعُ النّقط …..في منازل الرّوح" مُحَاولة تَروي القلوب التوّاقة لِمَعرفة الحقائق الْمُغرقة في القِدَم، وترتَقي بِنَفَسٍ غنوصيّ صُوفِيّ عرفانِي… لايرى فِي الكون الا كائنًا واحدًا يتناغم كلّ ما فيه تناغمًا غير منقسم مع الحَقِّ الأسمَى، فما الكائنات فيه إلا تَجَلّيات خالدة تدور في فلك الوحدة: وحدة الكائنات، ووحدة الكون، ووحدة المُكَوِّن….وحدة تنعكس في الكون كثرة ودوائر سابحة… وتعود الكثرة لتنطوي في نقطة نون "التكوين" محور الدائرة !مُقتطف من هذا المحور :
إِلا مَنْ هَوَىلأدْنَى مِنَ القَوْسَيْنِ
لِمَرَج النَّهْرَينِبَيْنَ أجَاج وَعَذْب
لا بَاب "عِند "ولا مَعْبَر "إلى"
وَ تَتَمَزَّقُ الأنْوَار فِي كَفِّ عَتِيق
طُيُورٌ فِي فَلَك الحَقِيقَةِ تَدُور
تَلْتَقِطُ كُلّ العُيُونوَتَنْكَشِف
أُفْرِدُ جَنَاحًاوَأمْكُثُ غَيْرَ بَعِيد
بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُول
فَلا السَّابِق كَانَ
ولا اللّوَاحِق تَكُون
الأنْهار بِلا سَبَبٍ جاريَاتٍ
والسَّمَاء عاريَة عن الحُدود
ودهشة التأمّل فَنّ الأزَل
وبَرزَخ القَوسَيْنفي نقطة النُّون !
أما فِي مِحراب " لَوَامِع العِشْق …. في حضْرة الأنثى" مقامٌ رفيع تتدفَّقُ اللوامع فيه بِشَغف وجوديّ بَدِيع… يَرصد نبض القلب، وعطش الشفاه، واحتراق الجسد، والقوة المتولِّدة من الرغبة التي تَمنح الانسان المَسَرَّات النَّاجِمَة عن الشَّوق الحَكِيم، فتكتسِب النَّفس إشْرَاقًا وَسِعَةً وترتقي في شوقها الأعلى لتتحرر من الرغبة نفسها انعتاقًا .
فِي مَقامُ البَيْن:·
أُسَاءِلُ حَبِيبِي عِنْدَ العَوْدِ :صَدْرِي نبَيِذٌ… وشَغَفِي شَمْعٌ…
وشَفَتِي وَرْدَة…أَفَلا جِئْتَ نَسْهَر ؟؟……… ·
قَالَ : أَنْتِ عَارِيَة فِي المِرْآةِوَصَفَوْتِ فِي الجَوْهَر
وَرِدَاءُ المَحَبَّة …عَلى سَريرِ الوِحْدَةِ يَنْكَشِف ·
قُلْتُ :
وَأَغِيبُ ….
فَأُمْحَى عَن مُسَمَّاكَ بِصِفَاتِك·
قَال : مَازِلْتِي ثَانيةَ اثْنَيْنِ
فِي مَقَامِ البَيْنِ !·
قُلتُ: وَأفْنَى عَنْ صِفَاتِكَ شُهُودًا
فَأَنْتَ ال"مِنُّ" و ال"إِلَى" ! ·
قَال: كَيفَ العبُورُ مِنِّي إِلَى غَيْرِي
وَلا غَيْرَ قَبْلِيَ …وَأَنَا المُنْتَهَى !
*****
الفن التشكيلي والرمز الشعري في أعمال مروة كريدية
" الفن والحرية والجمال ثالوث لا يتجزأ!"
و عندما ننَحِّي الزَّمن عن الذهن نلامس كلّ ما هو لازمني !
حوار - محمد نجيم
ترى الفنانة التشكيلية مروة كريدية أن الفن عَصيّ عن التعريف وإنْ تجلى كمقاربة ابداعية لموسيقى الوجود، فالفنون البصرية التشكيلية وغنائية السرد والشعر هي كشف عن ينبوع المحبة والفطنة الكامن في الانسان وآنة تعكس كمال التناغم اللامتناهي بين الإنسان والحقيقة الواحدة المتجلية في كل تلك الكائنات، وهي تلك اللحظة التي يحقق فيها المرء تمام "الوحدة" مع الوجود وفيما يلي حوار مع مبدعة مميزة تتجاوز في حديثها البعد الصوري للتتصل بالفلسفة والوجود .
· بالبداية ، ما هو الفنّ بالنسبة لك ؟
لاشك في ان تعريفات الفلاسفة للفن كثيرة ففيما اعتبر هيغل أن "الفن هو مملكة الرائع " نجد ان كروتشه قال "الفن حدس" ….. ربما أجد نفسي على الحقيقة عاجزة عن إعطاء أي توصيف له ، لأن الفنّ عصيّ عن التوصيف والتعريف ولا يمكن للعبارة مهما عمقت ان تحيط به.
· نجد لك أعمالا شعرية وأخرى فنية تشكيلية ، فيما تمتهنين العمل في الميدان الاعلامي، في أي المجالات تجدين نفسك ؟
بالنسبة لي فإنِّي مجرد "هاوية" ولا أقدم نفسي من خلال أي مسمى فني أو توصيفي أو تخصصي… فالحالة الوجدانية الرائعة التي تنتاب المرء عند الابداع تتجاوز المسميات، ومع تقدم خبرات الانسان في الحياة يشعر بضآلة إنتاجه مهما بَلغ، فينكفأ تلقائيًّا عن عالم الإعلام المادي الذي يزعج فطرة وجدانه، كما يربأ بنفسه عن زيف "الألقاب" مهما كان مصدرها .
· إلى أي "المدارس الفنية" أعمالك التشكيلية أقرب ؟
أعذرني…إن قلت لك أنّي لا أجيد "فهم المدارس"، وإن كنت احترمها وأقدّر روائعها التي غالبًا ما تضيق بالمدرسة نفسها لأن العمل الفني الرائع يتجاوز التصنيف… أسألك هل يمكن أن نسأل عصفورًا يغرد عن نوع اللحن الذي يقدمه وعن مدرسته الموسيقية ؟!
· إن كان مجرد تعبير، فهل تعبّرين عن الجمَال بالرسم الفني أم عن الفن بالجمال ؟
الجمال ليس صورة مُتخيَّلة في الأذهان نرغب في رؤيتها، أو نعمل على صناعتها ، الجمال دائم الوجود نراه وإن أغمضنا عيوننا، ونسمعه وان أغلقنا آذاننا … إنه الحياة بكل مكنوناتها ، والفن لا ينفصل عنه بحال من الأحوال ، كَمَا سائر مكونات الكون وكائناته
الفن بوصفه فعلا هو غور لاعماقنا الانسانية وعود للذات الى أصلها ، هي تلك الآنة التي نتماهى فيها مع ذاك اللامتناهي "الغيب"، فالكون يمور في الكائنات وفينا نحن البشر، وهنا تكمن وحدة الكثرة وكثرة الواحد وتجلياته اللامتناهية!
· هي عملية بحث عن المجهول عبر الريشة أو الكلمة إذن ؟
أتوق توقًا أبديا للتَّماهِي مَع ذاك الغائب المَجهول- بالنسبة لنا – وهو معلوم على الحقيقة، فأبحث بالكلمة واللون عن الجمال بالجمال وعن المحبة بالمحبة، وعند الوقوع في الآنة الفنيّة تَتلون اللوحة من تلقائها وتنبعث الحروف وهي آنة غير منفصلة عن الواقع او معزولة عنه .
· بالعودة الى الكلمة نجد أنك تعتمدين الرمز، وكأن القصيدة لغز مُشَفَّر، فيما نجد أن لوحاتك واضحة الموضوع، وعند مقارنة مكنونات القصائد وموضوع اللوحات نجد تباينًا في المضامين ، كيف تفسرين ذلك ؟
ربما في ديواني الأخير "لوامع من بقايا الذاكرة" حاولت ان أكسر الألفاظ لصالح كثافة المعنى، فالرمز اللغوي وقوام أداتها الفنية يكمن هنا… لذلك فإن اللغة جاءت عابقة بالخمرة مجازية ومنتشية في آن مَعًا ، لأنها عبارة عن ممارسة ل "العود"…وهو تتالي الفناء والبقاء بإيقاع عبر علاقة مجازية بين الكائن والمكون، بين الوجود والصور، بين الذات والغيب، بين الحاضر والغائب …
أما معظم لوحاتي فَشكلت إفصاحًا واضح المعالم غير مُشفرّ .. علمًا انَّ بعضًا من أعمالي التشكيلية جاء مجردًّا حيث طُوِيَ الرسم لصالح البعد الرمزي بالكامل و قُدِّم "اللامرئي" ببعد غنوصيّ، وبعضها تركز على محورية "البؤرة" بوصفها العين التي تشكل مركزية في الاعمال البصرية.
أشير هنا الى أن التقنية المستخدمة في الرسم تختلف عن تلك المستخدمة في الكتابة ، فألوان الرسام مهما تنوعت تبقى أقل اتساعًا من حدود الكلمة التي تتسع لرمزية عالية جدًا .
· هل يمكن أن نصف أعمالك الشعرية بأنها ذات بعد صوفي أم سورياليّ فيما الرسم جاء واقعي أو انطباعي ؟
لا اكترث بالمسميات سواء كانت "سوريالية " أم "صوفية " سَمّها ما شئت… فإن كانت اللحظة الصوفية فناء للذات عن ذاتها وان كانت الآنة السريالية توقٌ لوعي يبحث ؛ فإن كليهما يشكلان تجليا للابداع ولا مشاحَّة في الاصطلاح !
البعد "الصوفي " موجود في خواطري المكتوبة ويتجلى من خلال نشوة الحرف التي تعكس نشوة التجربة الروحية ، والبعد "السريالي " موجود أيضًا عبر تمام حضور الوعي..أليست البصيرة وعيًا قادرًا على الافصاع عن واقع موجود؟!
· هل ترين أن الفن يترفع عن الواقع المادي نحو "الواقع المعنوي"؟
لا أريد أن أنفي عن عالم الفن الواقعية وأرفعه عن فضاءات الادراك الحسي ، بل إن تمام الاستغراق التأملي هو وَعيّ كامل ، فإن كان الوَجْد غير مرئي والعقل شاهد في عالم الحس ، فإن تمام الفن التأملي شهود الواقع ورؤية الموجود وتجاوزه إلى ما هو أبعد، وهي لحظة يَقظة الوعي التي يتسامى بها الانسان عن كلّ قيدٍ يكبله ! لذلك فإن الفن والحرية والجمال ثالوث لا يتجزأ!
· كيف هي علاقتك بأعمال عمالقة الفن ، خصوصًا وانك أشرت في إحدى لوحاتك انك استوحيتها من أعمال مونيه، ألا يُعد ذلك تكرارًا؟
لوحات عمالقة الفن تأسرني وأغيب في عالمها وعندما أضمحل بها أجد رغبة عارمة باعادة صياغتها على طريقتي، أعشق لوحات فان غوغ والفنان العبقري كلود مونيه الرائع وربما أول لوحة رسمتها استلهمتها من اعماله تلك المسماة "واتر ليلي بوند : بركة زنبق الماء" والتي رسمها عام 1899 لقد شكلّتها بتلقائية وشغف طفولي بالغ وكانت محاكاة مذهلة، وان كانت ليست ابداعًا خالصًا ، غير أني قدمتها بروحيّة تنزاح بالناظر الى بُعد جديد لا تقف عند تخوم الألوان وأبعادها بل تلامس حدود الموضوع أيضا.
أقول لك أمرًا قد لا أبالغ فيه : أن الفن حالة بنت آنتها و بيئتها وظروفها وعواملها المادية و الوجدانية، وتلك الآنة ليست قابلة للتكرارأبدًا ، إن الفنان لا يستطيع تقليد نفسه تقليدا تامًّا وكاملا، لأنها حالة تتقلب مع تعدد الأنفاس، فحتى لو أعاد رسم نفس اللوحة التي رسمها بنفسه فإنها ستكون مختلفة لان لحظتها الفنية مغايرة .
فيروز قد تكرر الجملة أكثر من مرة أثناء أدائها الغنائي الرائع، وكذلك أم كلثوم، بيد أنّها تقدمه بإيقاعٍ قولي مختلف…نعم ، يُمكن للفنان أن يعيد انتاج فَنِّه إلى ما لا نهاية لأن الفنان سيعيد الإنتاج بتنوع كبير؛ إن متذوقي الفنون الراقية لا يَمَّلون من تكرار الاستماع إلى موسيقى "ياني" أو "بيتهوفن "!
· هل من تحضيرات معينة تتخذينها عند الكتابة أو الرسم ؟
الابداع بالريشة أم بالقلم أم بغيرهما من الوسائل اللامتناهية في عالمنا البديع هو كنسمة الهواء التي تدخل بتلقائية عند فتح النافذة، فالإنسان لا يفعل أكثر من أن يترك الأمور تتحرك ببراءة وعفوية لا حدّ لها !
لذلك فإني الآن لا أتعمد اتخاذ وضعية معينة للرسم أو الكتابة أو التحضير لها ، وإن كنت أحرص على ان أكون بكامل "أناقتي الروحية " وجهوزيتي الوجدانية …هي لحظة نور أشعر أن أناملي تنساب فيها بشغف… وأحيانا أخرى أنقطع عن الرسم فأجد الرغبة في تَدوين خواطر فتتناثر الكلمات بتتدفق ….
كما أشرت لك في بداية اللقاء ربّما يبدو إيقاع حياتي شديد التنظيم بيد انه نظام "غير مُفتعل" إنه كالنهر ينساب بين الشجر فلا الماء تستأذن الحصى ولا الريح يستجدي المطر…
أمور يومي تمرّ بانسيابية وتلقائية وعفوية بكل فصوله شتائه وصيفه حلوه ومره! إنه تناغم غير منفصل مع الكون والمكون إنه التوحد مع الكثير اللامتناهي .
· متى توصلتي إلى هذه "القناعة" او الى هذه الحالة ؟
إن الحياة "المدنية" العنيفة والعوامل"التربوية" الاشراطية حولّت حياة البشر الى كابوس حقيقي تقودهم فيها الى النزاع ، وبما انّي ابنة هذا "المجتمع الكابوسي" فقد وجدت نفسي مثل "برغي" يدور في آلةٍ عنيفةٍ غبية، استيقظ منزعجة على جرس يخترق أذني لأجد في مفكرتي قائمة طويلة جدا من "المهمات" التي ينبغي علي إنجازها بدقة متناهية وبسرعة فائقة، وَ أني أمام "واجبات غبية" ينبغي علي اتمامها كي أحظى "بتقدير الآخرين"…، لينتهي "ماراتوني" اليومي بعد طول ركض وعناء منهارة أمام شاشة إلكترونية… إنها مسرحية حمقَاء !
ومع تنامي الخبرات الروحية والنفسية ومنذ عدّة سنوات قررت أن أغادر عالم "المهمات " و "الانجازات " و "الوظائف" و "الألقاب " و"مهرجانات الرياء"…إلى غير رجعة! فخلعت تفاهة أفكاري، وحررت نفسي من أسر كل ما من شأنه أن يعيق إشراقتي الروحيّة ، فانجلى أمامي مفهوم الزمن فتبرأت منه … فالماضي ليس سوى ذكرى الحاضر وما المستقبل سوى حاضر منقوص …فقررت ان أعانق حاضري واستغرق في آنتي بتأمل كبير، فخيم الهدوء والسكينة والجمال والاحساس الرائع بالمحبة…
نعم،عندما تُنَحِّي الزَّمن عن ذهنك تلامس كلّ ما هو لازمني !
****
مجلة زهرة الخليج |
الكاتبة اللبنانية مروة كريدية :
الكاتبة مروة كريدية |
الإبداع هو الحياة
في هذا اللقاء تحاول " زهرة الخليج " أن تُطلّ على النوافذ الثريّة والمدهشة للكاتبة مروة كريدية سواء تلك التي تتعلق بعوالم القراءة والكتب أم غيرها
حوار : إشراقة النور
مروة كريدية ليست "كاتبة" بالمعنى المألوف للكلمة، فالكتابة بالنسبة لها كسائر شؤون حياتها انعكاس للخبرة المُعبِّرة عن ينبوع حبّ كامن ينكشف إبداعًا بوصفه كمال التناغم اللامتناهي بين مكونات الوجود، والابداع عندها ليس حكرًا على أحدٍ أو على فنّ بعينه بل هو الوجود نفسه، وتؤكد أنَّ الحرية تكمن في الانعتاق من الرغبة الدائمة بالتملك ، وترى أنّ ممارسات الكائن الانساني لا تنفصل عن بعضها ، وأن جوهر الممارسة الروحية لا ينفصل عن الاعمال اليومية بما فيها السياسة والاجتماع …
· ماهو آخر كتاب قمت بقراءته؟
كتاب "التأمل Meditations" للمؤلف جدو كريشنامورتي Jiddu Krishnamurti، الذي رَصَدَ فعل التأمل في حدِّ ذاته، من دون تدخُّل الإرادة أو الاختيار أو القرار أو أيِّ فعل آخر من أفعال "المفكِّر". مما يخمد الضجيج المستمر في داخلنا والذي يشكِّل خلفية وعينا المعتادة، بحيث يصير الذهنُ صامتًا عمومًا.
· ما الذي جذبك لاقناء هذا الإصدار وأي نوعٍ من الكتب تُفضلين ؟
بشكل عام فإنني لا أجد رغبتي في الكتب التي تكون عبارة عن كراسّة وصايا تملي على الانسان ما ينبغي فعله وما لا ينبغي، ولعل ما جذبني إلى كتابات كريشنامورتي أنها تتناول أصل المشكلات البشرية وطبيعة الذهن وكيفية التحرر النفسي وتحقيق الإشراق الروحي وهو أمر أجد روحي تواقة إليه
فهو يكتفي بإعطاء إشارات حول "فن" القيام بهذا التحول" التأمل " ؛ إذ ليس ثمة طريق ولا منهاج لبلوغه من وجهة نظره ، فعلى كل أحد أن يقوم بالعمل بمفرده، دون اللجوء إلى أي معلم أو مرجعية؛ فالحياة بأسرها تصير المعلَّم.
· هل هذا الكتاب الأول للمفكر كريشنامورتي الذي تقرأينه ؟
يعود تعرُّفي إلى فكر كريشنامورتي أول مرة إلى أواخر التسعينيات حين قرأت عنه كتابا باللغة الفرنسية بعنوان "كريشنامورتي والوحدة الإنسانية" لمؤلفه كارلو سواريس، وهو من أوائل الذين ترجموا كتبه إلى الفرنسية، وما أثار اهتمامي الفعلي بفكره هو أنه لم يعتنق أي مذهب، كما لم يبشر بأية عقيدة، بل صاغ تعليمه الفريد وحده، منصرفًا انصرافًا كليًّا إلى رصدٍ دائم للعمليات التي يقوم بها الذهن البشري وآلياته .
وخلال إعدادي لبحث عن اللاهوت في جامعة القديس يوسف اليسوعية ببيروت قرأت كتابًا عنه بالفرنسية أيضًا بعنوان ثورة الحق للمؤلِّف رونيه فويريه .
وفيما بعد، وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، فقد ساهم الصديق ديميتري أفييرينوس بجهد دؤوب وتفانٍ منقطع النظير بترجمة دقيقة لكتابات كريشنامورتي إلى العربية فاتحًا آفاقًا لا محدودة عبر قراءات متأنية قل نظيرها في عصر فوضى الترجمة والنشر .
· إذن أنت تنتقين المترجم أيضًا ، فما هو أهم ما ميزّ هذا المترجم عن غيره ؟
ما يميز ترجمات ديميري أفييرينوس عن سواه أنه يُعايش ما يترجمه على المستوى الروحي والنفسي والوجداني، لذلك فهو عندما ينقل لنا فكر كريشنامورتي فإنه ينقل خبرة اكتنزتها روحه وعايشاها، وهو بالمناسبة رجل حكيم مستنير، وإني أتوجه له بامتنان عميق وأُدين له بخشوع حيث أن كتبه المميزة ساهمت في فتح آفاق معرفية لديّ ،وما فتئت تمدني على الخوض في حياتي وسط غابة الأفكار والمعتقدات، ويعود له الفضل في إطلاق سلسلة "الحكمة" الذي طمح من خلالها الى ترجمة التراث الإنساني النفيس المشترك مما فتح ثغرة على أفاقٍ وجودية رحبة تتجاوز العلب الفكرية والأيديولوجية، وتشكل زادًا على طريق تحقق الإنسانية المتمثلة بالمعرفة والمحبة .
· ماهي الرؤية الجديدة التي خرجت بها من هذا الكتاب؟
ضرورة تحرر البشر نفسيًّا لكي يكونوا على تناغُم تام مع الكون و مع أنفسهم ومع الطبيعة. فالإنسان هو صانع البيئة التي يعيش فيها، وأن إيقاف الألم والعنف المستمر والنزاعات التي نعاني منها لا يتم إلا بتحول جذري في أنفسنا .
إنها رؤية تعتق الانسان من أسر الصور النمطية و الكلمة الجاهزة ؛ بكونهما فكرًا يهيمن على ماض يظل يجبر الفرد على الخضوع لتحجر الكلمة وألفة الصورة. مما يحقق براءة كونية في نفس كل إنسان. براءة هي مزيج من الحب والبحث، الهدوء والصرامة، الخوف مما يعيق تحرر الفرد من سطوة المجتمع والإيمان بمجتمع لا يسخف عقول أبنائه، ولا يتسلط على تكوين الفرد وتربيته. إن كريشنامورتي يبلغ بفكره من السكينة أقصاها .
بطبيعة الحال فكر كهذا يشكل حالة استفزاز للذهن المستكين إلى يقينياته ، فنحن خرجنا إلى الحياة ووجدنا حولنا جحافل ممن منحوا انفسهم حق التدخل في فطرتنا تحت مسمى الإرشاد والتربية وهم الذين يوزعون علينا كراسات الوصايا ويعملون على صرف "الوصفات الروحية " والوعود بالجنان والسعادة .
· هل تهتمين إذن بالكتب الفلسفية ؟
ما أهتم به هو الكتاب الذي يوقظ في داخلي الفطنة والحكمة التي هي مدار الفلسفة وليست الكتب الفلسفية الأكاديمية .
· ماهي افضل الاوقات للقراءة لديك؟
في الفترة الصباحية أكون بحالة توقّد ذهني عجيب ونشاط فكري مذهل، لذلك فإني أقرأ كتبًا فكرية عميقة تتطلب مني يقظة كاملة وتركيزًا عاليا، وغالبًا ما أدون فيها ملاحظاتي و حواراتي وهوامشي،أما في فترة بعد الظهر فإني أقرأ الكتب الأدبية والخواطر الشعرية .
· هل القراءة عندك مشروع كتابة موازية؟
إن أيّ حوارٍ مهما كان عفويًّا، وقراءةُ أي معلومة مهما كانت بسيطة وعابرة، تُشكل جزءًا من تجربتنا كبشر وانتاجنا الواعي منه وغير الواعي ، لأن أفكارنا على حقيقتها ليست الا إعادة انتاج لصوغ أفكار كل السابقين وحصيلة تراكم خبرات الآخرين. و أنَّه "لا وجود لِمَا يتولّد من ذاته بل من تواجد أصوات متتابعة ومتراكمة"على حدّ قول ميشال فوكو.
لذلك فإنني لا أدّعي في أيٍّ من كتاباتي خلقًا جديدًا أو فلسفة عظيمة، بل هي مُجَرَّد إشارة الى أقوال من سبقوني من المُستنيرين مِمن شقوا ثغرة نور في جدار العنف، أفتحها لِمُحبّها ممَن أراد ان يتجاوز الواقع نَحو أفق آخر مغاير ينعتق به من أسر السلطة وعنف المادة وصخب الإعلام الدعائي المضلل.
· بالانتقال الى موضوع التشكيل والشعر في تجربتك بالإضافة الى كتابتك الفكرية التي تتناول قضايا اللاعنف كيف تبلورين هذه العلاقة الابداعية ؟
ارى الفن تناغمًا يخلق عالمًا من حالة ، واللوحة التشكيلية كما القصيدة كما الكلمة تتكون صدفَة وتصنع تاريخًا ، في أفق الوحدة بين الزائل والخالد، بين الأبدي الفاني ابداع المواجد شعرا أو كلمة أولونًا بالنسبة لي هو الحياة، لأنها منسوجة بتكوينات الوجود. فالشعر هو ايقاع الكون الصوتي فيما التشكيل ترجمة للمعنى لرؤية بصرية ، انها تحولات الجمال ! إنها كنسمة الهواء التي تدخل بتلقائية عند فتح النافذة، فالإنسان لا يفعل أكثر من أن يترك الأمور تتحرك ببراءة وعفوية لا حدّ لها !
وكتاباتي الفكرية لا تخرج عن هذا الإطار كونها محاولة عفوية لطرح رؤيةٍ لاعنفية تستند إلى أصالة التسامي اللامحدود لوعي الإنسان وسط صحراء المادية المتفاقمة، من جهة، والمثالية العاجزة عن تحقيق ذاتها من جهة أخرى.
· ماهو جديدك الفكري الذي تقدمينه للقارئ بعد إصداراتك الأربعة؟
لدي كتاب جديد بعنوان "استراتيجيات الأمل في عصر العنف"، والذي يأتي مكملا للرؤية النقدية التي تناولتها في كتاب"فكر على ورق " وكتاب "أفكار متمردة " حيث حاولت الدخول الى الزوايا "المُغلقة " والمسكوت عنها المُغلَّفَة "بالفضائل" فيما هي على الحقيقة ليست الا صورة تأخذ الأبصار ببريقها وهي تحجب قبح العنف المستتر في التجمعات البشرية الخاوية على عروشها ، هو"تمرّد" على شرعيات اكْتُسِبَتْ من النفاق والخداع وعملت على فصل الكائن الانساني عن جوهره الأصيل مكرِّسة ذلك بثالوث العنف المتمثل بالوجوه السلبية " لرأس المال والسلطة والاعلام " كماانتقدت فيه مفهوم امتلاك الحقيقة المسبب للعنف، فالانسان عندما يدعي إمتلاك الحقيقة يسوّغ لنفسه محاكمة الآخر مستخدما الوسائل العنفية المادية منها والرمزية، علما أنه لا وجود لحقائق مطلقة بل الحقيقة مفهوم نسبي يتغير وفق البيئة التي ينتمي لها ومستوى الواقع الذي ينطلق منه . وأحاول من خلال كتابي الجديد طرح رؤيةٍ لاعنفية تستند إلى أصالة التسامي اللامحدود لوعي الإنسان الكوني.
· هل تعتقدين أن هذا النوع من الكتابات سيحدّ من أعمال العنف أو يوقفها ؟
هذه الأطروحات مَثلها كمثل ماسِحةِ زجاج السيارة لا توقف المطر ولكنها تجعل رؤية السائق واضحة . إن ما يقوم به دعاة اللاعنف قد لا ينهي الحروب ولكن قد يجفف وقودها عبر إطلاق الوعي لدى الانسان المتحكم بصناعة الدمار.
· لماذا لا تحضر قضايا المرأة في كتاباتك الفكرية فيما نجدها حاضرة في ديوانك الشعري "لوامع من بقايا الذاكرة بكثافة ؟ وكيف تجدين الإبداع النسوي في العالم العربي ؟
لا أتدخل في أي نوعٍ من انواع نقد البناء اللغوي للنصوص سواء الشعرية ام النثرية ولا ادخل في إطار " اطلاق الاحكام" وتقييم أعمال الغير ، أما من ناحية مضامين الموضوعات فإن غالبية ما وقعت عيني عليه من كتابات "نسائية " و"رجالية " تدور في فلك الأنوية للتجمعات الذكورية السلطوية القائم على مبدأ الفصل التام بين وحدات المجتمع الانساني، حيث الصورة تركز على المتعة البصرية التي تكرس الاستهلاك الذكوري عبر مقارنات محمومة. المرأة تُقَدّم فيه دومًا على انها الكائن المجتمعي الذي يتشظى في دوامة النزاعات، و الاعلام يسوّق للمرأة "السيليكونية " الصورة ، لذلك نجد ان النساء يلهثن بشكل مقزز خلف عمليات "التجميل" التي تشوه الفطرة وارتضين ان يتحولن الى كائنات "بلاستيكية" عارية عن الروح والمضمون…
من جهتي فإن الانسان هو القضية فتحقيق الحرية والعدالة مثلا هي مسائل إنسانية وليست همًّا "نسائيًا"، عندما يكفّ الإنسان (امرأة أم رجل) عن المقارنة بكل أشكالها سينعتق .
أما بالنسبة للمرأة المتكلمة الحاضرة في ديواني " لوامع من بقايا الذاكرة " فهي كينونة الكائن الانساني… هي الأنثى المبدعة الخلاقة هي رمزية العشق والخلق، بالعودة الى القصائد ستكتشفين البعد السريالي والصوفي العميق التي تمثله الانوثة ببعدها الانطلوجي .
مجلة زهرة الخليج في عددها الصادر يوم السبت في 3 تموز 2010 - رقم 1632 صفحة 186
****
مروة كريدية انسانة كونية
الرجل والمرأة، كأوتار آلة موسيقية يقوم كل واحد منهما وحده
ولكنها جميعا تخرج موسيقى واحدة
اجرت الحوار : بشرى شاكر
ترسم الأدب بحسٍّ كوني، تجتمع فيها صفات الباحثة الجادة والإعلامية المناورة، تنتقد الواقع الاجتماعي دون أن تنتقصَ من عالمِ القيم شَيئًا، ريشتها أنيقة تبدع التشكيل، وقصائدها تعبر بالقارئ إلى أبعد من الخيال، تقدم الأطروحات الفكرية بصورة شبابية غير معهودة…
- أهلا بك أستاذة مروة كريدية ، نحن سعداء جدا باستضافتك في مجلة فرح و بالتحديد في فقرة وراء كل عظيمة رجل، و نود منك أن تعرفينا أكثر بنفسك.
أهلا بك ، لقد اسهبت بالتعريف عني في المقدمة، ببساطة شديدة : إنني انسان كوني وان جلّ ما أقوم به هو ما أحب أن أكون عليه .
- تحملين شعار "اللاعنف" و تتضامنين مع من يحتاجون لذلك بغض النظر عن العقيدة أو الجنسية و تنبذين العنصرية ، هل يمكنك أن تحدثينا أكثر عن ذلك؟
لا احب حمل "الشعارات" كما أنّي لا أجيد التصفيق لأي كان فكرًا او فلسفة او غيره، كما ان المقام يضيق للاجابة عن هذا السؤال الوجودي ؛ ان موضوع اللاعنف ليس شعارا بل نظام حياة، وهو كشاخصة تشير الى سلام الانسان الداخلي، وهي الخبرة التي على المرء ان يتذوقها بقلبه لا في كراسات الوصايا وبين الكتب
لذلك فإن مساعدة الافراد تكون في الاشارة لهم الى دور الوعي في حياتهم، بحيث يروا بوضوح العوامل المتحكمة بهم وبإشراطات واقعهم المنتج للعنف، ومن ثم فإن اللاعنف هو إبداع يحققه الفرد بنفسه عبر اختبار انسانيته بالكامل ، عندها سيرى أن جوهر الاستنارة اللاعنفية قابعة فيه وان تعددت مسالكها لان الوحدة الانسانية واحدة !
وعندها سيبتكر طرق الممانعة التي سترفع الظلم وتحقق العدل ، و تحقيق العدالة ينبغي ان يتم بآليات عادلة لا عنفية، فالرد على الاساءة لا تكون بمثلها ؛ وهذا لا يتحقق الا بوجود مبادئ أخلاقية قابلة للتطبيق في سياق التربية اللاعنفية قوامها المحبّة لكل الخلائق و التضحية من أجل الانسانية وتحمل المسؤولية تجاه الكون والكائنات.
- أجريت حوارات مع العديد من الشخصيات البارزة كما أُجريت معك حوارات كثيرة في صحف عربية عديدة، فما الذي أضفاه إلى حياتك هذا النشاط الإعلامي المكثف و ما هي طموحات مروة كريدية التي ما زالت تنتظر أن تحققها؟
في عصر الصورة تسيطر وسائل الاعلام على المنتج الفكري ، ولظروف أحاطت بي وجدت نفسي "مضطرة" الى العمل في قطاع الاعلام ، والسبب ان العمل في مجال الدراسات والابحاث يختلف جملة وتفصيلا عن كلام "الجرائد"، فعالم الاعلام صورة تختطف الابصار ببريقها، غير ان معظمها للأسف ينتمي للعالم الأدنى وهي تكرس العنف والاستهلاك .
بطبيعة الحال عملي في مجال الاعلام لا يخلو من نزعة انسانية، وغالبًا ما تتضمن مقالاتي الفكرية رؤية داخلية عميقة سَمّها ان شئت "باطنية" أو "سرانية" ، تتجاوز الاحداث الظاهرة… انني احاول دومًا العبور بالقارئ الى ماوراء الأخبار…وطرح رؤى ترقى بالنفس البشرية عن سطحية الشحن والشتم والردح الاعلامي … لان الاخبار السياسية مشبعة بالعنف وتتسم بقلة العدالة عادة ….
استراتيجيتي تقتضي طرح رؤية انسانية تتجاوز كافة التقسيمات الجغرافية والابعاد الشكلية….واحيانا أخرج من حواراتي مع الضيوف الى توصيف تأملي أكثر عمقًا واحاول دومًا أن أرى مشكلات البشر من خلال مفاهيم الحكمة الخالدة المكونة للحضارة الانسانية الجامعة .
- بين كونك شاعرة و كاتبة و فنانة تشكيلية و إعلامية ناجحة و بين الاهتمام بأسرتك الصغيرة ألا يشكل هذا عبئا ثقيلا عليك و كيف توفقين بين كل هذا الكم الهائل من المسؤوليات؟
يحصل عدم التوفيق في حياة الانسان بسبب "الفصل" الدائم الذي يزج الانسان نفسه به "بحماقة" عن بيئته التي يعيشها ؛ عندما تتعاطين مع كل مفردات حياتك "ببساطة وفطرية وتلقائية" ستلاحظين الانسجام التام والايقاع الجميل في الوجود وسيخرج الانسان من دائرة "النزاعات الوظائفية" …
انا لا انظر الى ما اقوم به على انه مسؤولية او "حرفة" او وظيفة ".. اني لا احب الاحتراف ولا أجيده ، غير أنّي أمارس مهامي بإتقان … الاتقان شيئ مختلف عن الاحتراف! الاتقان هو جزء من الابداع.
لذلك فان التعاطي بتلقائية وعدم التخطيط احد ابرز عوامل نجاحي .. بالمناسبة انا انسانة منظمة جدا ولكن لا اخطط للغد ولا ارتب الأولويات" بل انخرط في مهامي بحبّ مهما كانت بدءا من تنظيف منزلي بنفسي والعناية بالنباتات وصولا الى القاء المحاضرة في المؤتمرات ولا اعتبر اي منها أهم من الأخرى .
- ما هو دور عائلتك في نجاحك و كيف ساندك زوجك في الوصول إلى ما أنت فيه مع العلم ا ن لك قصيدة في ذلك سوف نطلع قراء مجلة فرح عليها بعد اذنك طبعا؟
لا يوجد عامل واحد يسبب لنا النجاح أو الفشل، بل كل ما يدور حولنا في العالم يساهم في تَطور مسيرتنا الوجودية ، فحتى نجاحنا يكتنز كل مواقف الفشل التي واجهتنا ، ان عالمي المزدهر يحمل كل الاخفاقات أيضًا . بالنسبة لعائلتي فهم شركائي في الحياة وأصدقائي .
فأنا لا انظر لطفلي على انه "مُلك لي" بل مجرد صديق اعتني به واقدم له العون ريثما يحقق كامل نموه وتطوره وَ اختبرتُ بإيِمَان مقولة جبران:"إن أولادكم لَيسوا لَكم …إنهم أبناء الحياة" "
اما زوجي فإنه رفيق دربي وبالتالي فأنا لا اعمل على ملاحقته ومصادرة خصوصياته وتملّكه بل نتعامل كصديقين يعيشان في بيت واحد يتقاسمان تصاريف الحياة بودّ، وهو احترم خَياراتي الفكرية، مؤكدًّا على "أن اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية"، وأننا كعموديّ معبدٍ نقف منفصلين لنرفع بناء واحد …
كلمة مفتوحة لمجلة فرح و بالتحديد فقرة وراء كل عظيمة رجل
لا شك في أن النجاح كلّ متكامل، فدوما هناك من يساند الآخر، ودوما الرجل والمرأة يكملان بعضهما البعض ، وهما كأوتار آلة موسيقية يقوم كل واحد منهما وحده ولكنها جميعا تخرج موسيقى واحدة ونغما جميلا، فإن كان التناغم بين الأوتار جيدا كانت الموسيقى رائعة.
نشكر بدورنا، المبدعة مروة كريدية على إجاباتها المفيدة و نترككم مع قصيدة أهدتها لزوجها و لكل عائلتها.
****
همسة ودٍّ لأحبتي
تخللت مَسالكُ الرُّوح سَعَادة
ولأجلها اطمأن اليوم قلبي
فما أحبَّ الْمُحِب غير روحه
فالكُلّ بعضي وبعضي كلّي
فما شريك العمر وما طِفلي
سوى مضغة تئِنُّ بين أضَلعي
أحنُّ إليهم وأسأل شوقًا عَنهم
وهم في كل آنية أمامي
هي رحلة عمرٍ أُمضيها
وإن تفرقت بنا دُروب الحياة
فهم في عالم الرّوح أبدًا معي
***
لقد أخذا مني كل منازلالمودة إلا واحدة
هي أصل المحبّة
من الْمُكَوّن كانت ولن تكون لغيره
وإن كان هذا الغير روحي
*****
مجلة فرح - العدد 6 تاريخ العدد الخميس 21 جمادى الأولى 1431 هـ الموافق لـ 6 مايو أيار 2010
لمشاهدة كامل المقابلة
المبدعة مروة كريدية الإنسانة الكونية
في حوار مع مروة كريدية : لا أحب كراسات الوصايا و الشباب العربي لا يقرأ
حوار : سما حسن
تطل الى الفكر الإنساني عبر رؤى جديدة، وترسم الأدب بحسٍّ كوني، تجتمع فيها صفات الباحثة الجادة والإعلامية المناورة، تنتقد الواقع الاجتماعي دون ان تنتقصَ من عالمِ القيم شَيئًا ، ريشتها أنيقة تبدع التشكيل، وقصائدها تعبر بالقارئ الى أبعد من الخيال، تقدم الطروحات الفكرية بصورة شبابية غير معهودة .
عملت في ميادين ثقافية متنوعة، ولها العديد من الاعمال الادبية و الفنية التشكيلية والخواطر الشعرية والابحاث الميدانية في علم الاجتماع السياسي. شاركت في أعمال حوار الاديانواللاهوت المقارن ، كما نشطت في ميدان الاعلام الثقافي انها الكاتبة مروة كريدية .
· اين تجدين نفسك في الجانب الفكري أم الأدبي أم الفني التشكيلي؟؟
في البداية انا لا أقدم نفسي تحت أي مسمى "وظيفي" أو لقب "أكاديمي" أو عمل "مهني"… ولا أحترف شيئًا بعينه…فأنا غير متخصصة ولا محترفة … يكفي أن أكون "إنسانًا واعيًا كونيًّا" يبدع في أي إطار يُحبّ … فجلّ ما أقوم به هو ما أحب أن أكون عليه ، ولا أرى تجاربي في أي ميدان أخوضه الا من خلال ديناميّات وجودية ، لا يمكن ان انسلخ عن الكون مهما بدا الامر ماديا صرفا ، بل ان كمال التناغم مع الكون ومفرداته هي ارقى "اشراقات الابداع " ….
أقول لكِ أمرًا… منتهى التلقائية والبراءة عندما نتخلّى عن "القوالب " والتصنيفات لانه عندها فقط نرى التكامل في المشهد الانساني خارج الأطر.. وعندها نسمع صوت الوجود … فتكون اعمالنا كنور الشمس بهيّ يشرق دون استئذان .
· ولكن دوما هناك تخصصات وتصنيفات للمهن !
التصنيفات وضعها البشر والمجتمع، وهي مرتبطة بالمعلومات؛ والوجود لا يقاس بمحدودية معلوماتنا كبشر ، وهنا يكمن السرّ الذي ينطوي في كينونة انتظامنا الداخلي والذاتي مع مكونات الكون ….
· بديوانك "معابر الروح " نجد لك أكثر من قصيدة عبّرت بها بصيغة "المتكلم " هل كانت تعبير عن واقعك الشخصي أم عن "المرأة " بشكل عام ؟
المرأة المتكلمة في قصائدي هي ( كينونة الكائن الانساني )… هي الأنثى المبدعة الخلاقة هي رمزية العشق والخلق، بالعودة الى القصائد ستكتشفين البعد السريالي والصوفي العميق التي تمثله الانوثة ببعدها الانطلوجي …
بالنسبة لي أحاول قدر الإمكان ان ابتعد عن "الاسقاطات" …. كثيرون الكتّاب الذين يسقطون قلقهم ويكتبون همومهم ويخطون معاناتهم في أدبهم ورواياتهم… في هذه الحالة يكون الانتاج الادبي "استفراغ واسقاط" !
و عندها يكون الفن تخلّصًَا لنا من علة تسكننا فإنه يكون (حالة خاصة ) وليس قاسما مشتركا … الابداع ينبغي ان يكون بعيدا كل البعد عن "الاستفراغ" لجنوننا وآلامنا …
أنا لا أنكر وجود هذا النوع من الأدب ولا أحط من قيمته، غير ان هذا النوع على أهميته يبقى شخصيا …
الكاتب مع مرور الوقت والنضج يتجاوز دائرة أناه الى أفق أوسع … فيتجاوز أنويته في الكتابة… وهنا تكمن حقيقة الفرق بين الأديب الذي يتجلى الجمال الداخلي الكامن فيه واحبَّ ان يشارك الآخرين به وبين من يسقط معاناته عبر لوحة او كتابة أو أدب …
طبعا يمكن للانسان ان يمارس الفن والأدب بهدف العلاج ولا عيب في ذلك … غير ان (الفن التأملي) يكون لا شك ابلغ وهو يجعل الانسان فرحًا ….لانه مع تمام الانخراط في العمل تنتفي الأنوية وتختفي.. انه "الفناء عن الذات ".
· ولكن أليس "النصّ " يتعلق بمؤلفه أو يقع ضمن حدود مسؤوليته ؟
هناك فكرة سائدة تتضمن مركزية المؤلف تجاه نصه .. و"النقد " الحالي يدور بمعظمه حول هذه الفكرة، وبحسب هذه النظرة فإن المؤلف هو "المتقمص" لادوار ابطاله … لذلك نجد ان كثيرين من "النقاد" يربطون بين المؤلف والنص فيهاجمون أحيانا المؤلف عبر نصه ….
انا أعتقد بان النقد - نقد النص- ينبغي ان يكون في إطار بعيد عن "مؤلفه"، لان ولادة النص هي بنت آنتها… فالكتابة كما أراها شكلٌ من أشكال التجاوز الدائم للمألوف …. لذلك نجد من أعلن "موت المؤلف " مثل رولان بارت… نعم النقد يتجاوز المؤلف …
· بالعودة الى المرأة نجدها تحضر في لوحاتك دون الرجل …لماذا !؟
المرأة تحضر في لوحاتي مع ما يكتنز الجسد الأنثوي من شيفرات ودلالات جمالية بوصفها انعكاسًا لتجليات الوجد والجمال تضفي على اللمسة العابرة دلالات ساحرة …وهو مالا نتلمسه بوضوح في "مقام الرجولة " وان كان موجودا …
· في كتابك "أفكار متمردة " انتقدت المجتمعات و الأديان كما انتقدت الثقافة ووسائل الاعلام … ألا تخشين من ردود فعل شاجبة ؟
بداية وللتوضيح انا لم انتقد "جوهر الأديان" غير اني انتقدت "الاستغلالات" المُمَارَسَة تحت شعارات لاهوتية او دينية … إضافة لأمر مهم هو أن العالم بوصفه الاجتماعي لا يتقبل الجديد، خصوصًا إن كان مخالفًا للمألوف أو ما تعارف عليه المجتمع، ولا يتقبل الأفكار الجديدة بسهولة؛ لا سيما إن طُرحت خارج السياق الفكري العام المعهود، وهو غالبًا ما يُعاقب أصحابها .
· لماذا يعاقبهم من وجهة نظرك ؟
لان المجتمع ينطلق من "ضوابط ومعايير " للتعاطي مع الأفراد وبالتالي فمن يخرج عن معايره يُهاجم وهو مغرم بتصنيف أفراده إلى علماني، يساري ، إسلامي، و ملحد….، وهكذا، " وكثيرًا ما أُسْأل عن انتمائي!! معظم الناس لا يتصورون فردًا حرًّا لا يدعي وصلا بأحد ! .. نعم المجتمع يعاقب المبدع لانه يخرج عن مألوف التربية الاجتماعية .
· إذن هل ما تقدمينه هو عارٍ عن التبعية ؟
انا لا أحاول أن أقنع القارئ بأي شيئ ولا أدعي امتلاك الحقيقة ولا الصواب… فلا ادعو الى أفكاري في مقالاتي …و لا أسعى لذلك .. و لا أحب كراسات الوصايا والتعاليم… وأنفر من العلب الفكرية " الايديولوجيات " .. جلّ ما أقوم به هو مجرد "مشاركة بالتجربة " لمن يحب …. واني على قناعة بأن العقل الفطن هو سيد المعرفة وليست المعرفة تحكمه…
وقد أشرت في مقدمة كتاب "فكر على ورق " اني لا أروم من هذا الكتيّب طَرح فلسفة جديدة ولست بصدد معالجة آراء النقاد تأكيدًا أو نفيًا، فلا أدَّعي امتلاك الحقائق المطلقة ، كما أنِّي لا أؤمن بمنهج قدري أعتقد بقدسيته وأسعى للتبشير به، فكل ما يرسمه قلمي من حروف وكلمات ومعاني يعبِّر عن وجهة نظرٍ، قد تكون مميزة في بحر واسع من الآراء وغابات كثيفة من الأفكار….
وهي في نهاية الأمر ليست إلا وجهة نظر قد يُكتَب لها النجاح وقد يكتب لها الفشل!
ماهي الاشكاليات التي عالجتيها في "فكر على ورق " وبماذا يختلف عن "أفكار متمردة " ؟
كتاب ( فكر على ورق ) يطرح رهانات جديدة لأفق مغاير لفهم العلاقات انتقد فيها حتى النقد .. انتقد انغلاق بعض النماذج الفكرية المؤسِسَة للفعل الثقافي والسياسي… انتقاد لا يستهدف الانتقاص بقدر ما يهدف إلى الإفصاح عما نعانيه في آنتنا الرّاهنة….يعود لأفكار تكرس الصراع وتخل بتوازن المجتمعات البشرية , وأحاول فتح ثغرة لمن أحب يُطل إلى الفكر الإنساني بعيون وجودية؛ حيث تلك الطبيعة المُستترة في عمق حقيقتنا الكونيّة الساميّة التي تتجاوز حتى الفكر نفسه.
أما (أفكار متمردة) فهو توصيفيَ بشكل أكبر وقد طرح تساؤلات كثيرة تطال حتى ما يعد من المسلّمات كان هدفه إحداث خضَّة في فكر الشباب كي يتساءل و ينتقد الخطابات الأيديولوجية واللاهوت السياسي ووسائل الاعلام… وغيرها من الامور التي لا تناقش في مجتمعاتنا .
· كيف ترين إذن الحلول للمشاكل الاجتماعية التي تواجه الانسان العربي في واقعه ؟
الاشكالية تكمن على حقيقتها في "حرية الوعي " ….أعتقد أن المجتمعات العربية "أسيرة واقعها " الفكري والثقافي والحضاري …. وإن الحلّ لأي مشكلٍ قد يواجهنا لا يكون في البحث عن مخرجٍ ضمن الواقع "المأساوي" نفسه الذي نحياه بشروطه، بل بمغادرة هذا الواقع إلى واقع آخر مغاير- اقصد المغادرة عبر الوعي - ، فوعيّ الكائن الإنساني إذا انتقل من مستواه الأدنى إلى مستوى آخر، فإنه سيتمكن من النظر والتعامل مع آنته المُعاشة بشكل مغاير .
فالحلول دومًا لا تُكشف أو تُقدم جاهزة، بل إن فرص الحلول تُخلق وفق الظروف، وبحسب مستويات الواقع الذي ننتمي إليه وهو متغير متحرك بحسب الأزمنة والأمكنة والأشخاص، لأن الحياة التي نحياها بوصفها البيولوجي المادي لا معنى لها، غير إن الحياة هي فرصة حقيقية نعيشها لخلق المعاني.
· الى اي شريحة من القراء تتوجهين ؟ خصوصًا وان سوق الكتب العربي يعاني الكساد ودور النشر تتحاشى الكتب الرصينة ؟!
بداية يجب ان نقر ان جلّ الشباب العربي "لا يحب القراءة" وهو محق ربما لأنه ملّ التكرار والتشابه خصوصًا ان الموضوعات "الفكرية" غير جذّابة بالنسبة له …. الأمر الآخر أن الميدان الفكري المحض هو "نخبوي" بطبيعة الحال…
لذلك فإني أخترت أن تكون اصداراتي "رشيقة " من حيث الحجم والمضمون و قد حاولت مناقشة الامور الفكرية العميقة بأداء لغوي بسيط بعيدا عن المصطلحات "الكبيرة".. لذلك فإنها تفيد الشباب المثقف بشكل عام وليس "المتخصص" .
بالنسبة لدور النشر؛ الناشر العربي مهووس بالربح … فكثيرا ما يهرع نحو نشر كتب تضمن له الربح الوفير بغض النظر عن المحتوى والشكل وهذا يؤثر على صناعة النشر … أما مراكز الدراسات البحثية المتخصصة في الاصدارات الجادة في الدول العربية فهي قليلة جدا من ناحية، كما أن معظمها لها ارتباطات "ايديولوجية" تحتم عليها مسارات معينة في اختيار الموضوعات التي تخدم أهداف الجهات الممولة لها .
· كيف تجدين صدى كتاباتك عند القرّاء لا سيما وانك تطرحين أمورًا قد لا يتقبلها البعض بسهولة؟
في الغالب لا أتابع ردود الافعال سواء الايجابي منها أو السلبي لضيق وقتي بالدرجة الأولى….إضافة لأمر آخر ان الكاتب الحرّ لا يكتب كي يرضي القراء، أو ليقول ما لا يستطيعون أن يعبروا هم عنه بأنفسهم ، أو مما يخجلون من التعبير عنه، أو ما يخافون من تبعاته، فعندما يكون البحث عاريًا إلا من الحقيقة ولا ينطلق من أفكار مسبقة؛ عندئذ تفتح له المعاني الباب على مصراعيه إلى ما لانهاية .
· سؤال أخير : ما هو جديدك خلال هذا العام ؟
هناك مجموعة "خواطر" ارتدت ثوب قصيدة النثر تحت عنوان ( لوامع من بقايا الذاكرة) من المتوقع ان تصدر قريبًا ، أما في مجال آخر فإني بصدد إعداد مبحث عن ( اللاعنف ) كون هذا المفهوم ما زال غير متبلور في الأذهان ويحمل تصورات مغلوطة… علما أن اللاعنف هو استراتيجية حياة ترتكز على سلام الانسان مع ذاته قبل كل شيئ .
الحوار منشور في :
جريدة القدس الفلسطينية في عددها رقم 14396 الصادر يوم الجمعة في 11 أيلول سبتمبر 2009 الموافق 21 رمضان 1430 للهجرة -صفحة رقم 24 - ثقافة
مجلة لمسة القطرية في عددها السابع الصادر في سبتمبر 2009 - مع جريدة العرب القطرية
نسخة بي دي اف pdf copy : marwa-kreidieh-interview-aloumma-mag
مروة كريدية
تعد الكاتبة مروة كريدية واحدة من المهتمات بالقضايا الإنسانية و اللاعنف وحقوق الإنسان، حيث تطرح العلاقات الاجتماعية والسياسية من خلال رؤية وجودية تتجاوز الانقسامات الإثنية والدينية والجغرافية، وقد عملت في ميادين فكرية متنوعة، ولها العديد من الأعمال الأدبية و الفنية التشكيلية والخواطر الشعرية والأبحاث الميدانية في علم الاجتماع السياسي. شاركت في أعمال حوار الأديانواللاهوت المقارن، كما نشطت في ميدان الإعلام الثقافي .
تفرغت مؤخرا لدراسة ظواهر العنف في المجتمعات الإنسانية والبنى الفكرية المؤسسة لها وعلاقة ذلك بالحقوق والمدنية وعلاقتها ببنية الأنظمة السياسية والأيديولوجيات ، وهي تتبنى رؤية تتمحور حول كونية الإنسان ووحدة الوجود مما ينعكس في سلوك لاعنفي وانتماء كوني يحترم البيئة وكل الكائنات ويحافظ عليها .
من اصداراتها :
o استراتيجيات الأمل في عصر العنف، في القضايا المؤسسة للعنف واستراتجيات تفكيك مملكة الإرهاب في الفكر الإنساني ، 2011
o أفكارمتمردة، في القضايا الفكرية وعلم الاجتماع السياسي ، 2008
o فكر على ورق، في الفكر والنقد ، 2009.
o مدائن الغربة، في الفنون التشكيلية ،2009.
o لوامع من بقايا الذاكرة ، ديوان شعري ، 2010.
o معابر الروح ، ديوان شعري ، 2008
o عواصف النسيان ، قصص ونصوص ، 2012 ( تحت الطبع)
****
منأبحاثها :
o الخطاب الإيديولوجي والسياسي عند حركات الإسلامالنضالي.
o حوارالحضارات بين العقلية الدوغمائية والعقلية التواصلية.
o الاستشراقوالجغرافية العربية.
o سلطة الايديولوجية في السياسةاللبنانية .
o قراءة في الوحدة المنهجية الفكرية عند الأحناف.
o التعددية الثقافية بينمستويات الواقع والوحدة الوجودية.
o حوارالحضارات وعملية فهم التاريخ.
o الهوية وتوق التمسكبالجذور.
o المواطنية في مجتمع متعدد .
o الأنا والآخر ، مناقشة طرحفلسفي لمفهوم الذات و الغير.
o أصيل ودخيل: مقاربة نقديةلمفهوم الأصالة و المعاصرة و أطروحات ما بعد العولمة.
o اللاهوت السياسي في الشرق الأوسط، مقاربة نقديةلعلاقة الديني بالسياسي.
o كلمة إنسانية في حضرة كونية ، مبحث فلسفي حول وحدة الوجود.
o مفهوم الانوثة في فكر ابن عربي .
مواقعها على الانترنت :
نشر بالتصرف في وكالة اخبار المرأة :
صور
http://i3.makcdn.com/wp-content/blogs.dir//14159/files//2012/01/img_12961.jpg
الأسباب المسكوت عندها عند الطلاق
46% نسبة الطلاق ومعظم الأسباب الحقيقية تبقى طي الكتمان وفي دائرة التابو
في ندوة اقيمت برعاية رابطة سيدات السلك الديبلوماسي في دبي تحدثت الباحثة الاجتماعية الإعلامية مروة كريدية في ورقة بحثية عن «الأسباب المسكوت عنها عند الطلاق» مشيرة في البداية إلى غياب الأرقام الصحيحة والإحصائيات الرسمية عن الطلاق خصوصًا في العالم العربي وان الإحصائيات المتوفرة غير دقيقة، كما أنه لا توجد دراسات جادة لمعرفة الأسباب الأكثر شيوعًا للطلاق، مشيرة إلى أن بعض النتائج تؤكد أن حالات الطلاق في دول الخليج العربية في ارتفاع مستمر، حيث وصلت نسبة الطلاق في قطر 38%، وفي الكويت 35%، وفي البحرين 34%، وفي الإمارات 46% من إجمالي حالات الزواج.
وتضيف كريدية بالقول: «ويلاحظ على البيانات المنشورة في الدول الإسلامية حول الطلاق عدم دقتها في تحديد وقياس معدلات الطلاق، وافتقارها لمعايير موضوعية لا يمكن الوثوق بها، ولا تساعد على تقييم هذا القصور الفني في شيوع أحكام عمومية وغير صحيحة حول الظاهرة.
وبغض النظر عن البيانات والإحصائيات فإنه وبدون شك فإن هذا الموضوع جدير بالبحث وان الأرقام وان كانت غير دقيقة فإنها مقلقة.
وبغض النظر عن البيانات والإحصائيات فإنه وبدون شك فإن هذا الموضوع جدير بالبحث وان الأرقام وان كانت غير دقيقة فإنها مقلقة.
وأشارت إلى أنها أثناء بحث هذا الموضوع وضمن الاحتكاك المباشر بالأفراد وجدت أن هناك الكثير من العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الانفصال «مسكوت عنها» أو ما يُعرف ب «التابو» في المجتمعات، فالأسباب المباشرة أو المُعلنة غالبا ما تكون أسباباً مُختلقة أو« وهمية».
أو ليست هي الوحيدة وبالتالي فهي ليست حقيقية،وهذا يعكس بشكل مباشر حال المجتمعات المحلية «العربية» على وجه التحديد لأنه البنية المجتمعية وطريقة التربية منذ الطفولة ، لا تسمح ولا تضمن للإنسان التعبير عن مخزونه النفسي ب«صراحة» ووضوح، ودائرة «المسكوت عنه» أو «العيب» كبيرة لدرجة أن الفرد يسكت عن الكثير من حقوقه الفردية.
ومن الأمثلة:الرجل يصرح أنه طلق زوجته لأنها «مهملة» أو «غير مطيعة» مثلا، ولكن يخجل أن يصرح عن السبب الحقيقي هو «الرغبة في التغيير» أو «الملل» أو وجود امرأة أخرى في حياته اشترطت عليه تطليق الأولى .
أو غير ذلك مما يخجل في الإفصاح عنه. ونجد سيدات بالمقابل يسعين إلى الطلاق وتكون الحجة المعلنة هي «بخيل» أو «مهمل» ويكون السبب الآخر مثلا «رغبة في العيش من غير مسؤولية» أو «وجود رجل آخر في حياتها» على سبيل المثال.
لذلك فعندما تطرح المشكلات ويبدأ الطرفان بالإصلاح نجد أننا نعالج أشياء بعيدة عن المشكلة الحقيقية الموجبة للانفصال لذلك فعملية التصريح بالأسباب مهما كانت جارحة مهمة للغاية لمعرفة الأسباب الكامنة وراء انهيار الأسر».
ثم تورد الباحثة مروة كريدية بعضًا من الأسباب المسكوت عنها ومنها الأمور المتعلقة في العلاقة الزوجية (الأمور الجنسية)، كالأزمات العلائقية المتعلقة بالجهل الجنسي، أو التعرض لسفاح الأقارب، أو لتحرش في الصغر أحدثَ خللا ما، ومنها الأمور الصحية والعيب الجسدي، كعدم الذكورة، إضافة إلى المواضيع المتعلقة بـ «الشرف» و«الخيانة» أو ما تسمى «الأخلاقية».
كما تطرقت في كلمتها إلى بعض الأمراض النفسية المسببة للطلاق وهي منتشرة بكثرة: كالشك المرضي والغيرة، و الإصابة بالاكتئاب أو العُصاب أو القلق ،أو الهوس مشيرةً إلى انه عادةً ما يلقي الفرد بالاتهام على الآخر دون أن يسعى لعلاج نفسه….
وتضيف بالقول:«إن عدم تلبية الحاجات النفسية هي من أهم الأسباب الخفية للطلاق وهناك كثير من الضغوط النفسية التي قد يمارسها الشريك تحت شعارات متعددة «الرجولة» و«القوامة» أو العكس كتقدير الذات والشعور بالنقص أو الشعور بالفوقية وصراع الهوية.
وتنتقل الباحثة لطرح دور بعض المفاهيم الاجتماعية السائدة والخاطئة، التي من شأنها أن تهدم الأسرة وهي في الحقيقة بعيدة عن الدين أو الشرع حيث إننا نجد بعض ما هو مباح في الدين محرّم على المستوى الاجتماعي أو مفهوم «العيب».
ثم تورد الباحثة مروة كريدية بعضًا من الأسباب المسكوت عنها ومنها الأمور المتعلقة في العلاقة الزوجية (الأمور الجنسية)، كالأزمات العلائقية المتعلقة بالجهل الجنسي، أو التعرض لسفاح الأقارب، أو لتحرش في الصغر أحدثَ خللا ما، ومنها الأمور الصحية والعيب الجسدي، كعدم الذكورة، إضافة إلى المواضيع المتعلقة بـ «الشرف» و«الخيانة» أو ما تسمى «الأخلاقية».
كما تطرقت في كلمتها إلى بعض الأمراض النفسية المسببة للطلاق وهي منتشرة بكثرة: كالشك المرضي والغيرة، و الإصابة بالاكتئاب أو العُصاب أو القلق ،أو الهوس مشيرةً إلى انه عادةً ما يلقي الفرد بالاتهام على الآخر دون أن يسعى لعلاج نفسه….
وتضيف بالقول:«إن عدم تلبية الحاجات النفسية هي من أهم الأسباب الخفية للطلاق وهناك كثير من الضغوط النفسية التي قد يمارسها الشريك تحت شعارات متعددة «الرجولة» و«القوامة» أو العكس كتقدير الذات والشعور بالنقص أو الشعور بالفوقية وصراع الهوية.
وتنتقل الباحثة لطرح دور بعض المفاهيم الاجتماعية السائدة والخاطئة، التي من شأنها أن تهدم الأسرة وهي في الحقيقة بعيدة عن الدين أو الشرع حيث إننا نجد بعض ما هو مباح في الدين محرّم على المستوى الاجتماعي أو مفهوم «العيب».
و«الحرام» كمفهوم اجتماعي حيث يشكل جهاز قمع للفرد وسلوكه، فتنمو العقد النفسية ومنها الخوف من التعاطي مع الجنس الآخر، ومن الضغوط أيضًا الضغوط الروحية كالشعور المبالغ فيه بالذنب،و الخجل من التعبير عن الحاجات أو الرغبات،لذلك فإن الخلل في الحقيقة هو خلل تربوي بالأساس لان المجتمعات تقمع الطفل منذ صغره ولا تسمح له بالتعبير بوضوح وحرية ونقاء.
وختمت مروة كريدية كلمتها بالقول: «ان هذه المحصلة «من الأسباب المسكوت عنها» و«التابو» الذي يسيطر على البنية السوسيولوجية في المجتمعات له تأثير قوي على بنية المجتمع ونظام الأسرة، واعتقد بأن الأنظمة الاجتماعية الحالية القائمة عاجزة، عن حل مشكلات أبنائها.
وختمت مروة كريدية كلمتها بالقول: «ان هذه المحصلة «من الأسباب المسكوت عنها» و«التابو» الذي يسيطر على البنية السوسيولوجية في المجتمعات له تأثير قوي على بنية المجتمع ونظام الأسرة، واعتقد بأن الأنظمة الاجتماعية الحالية القائمة عاجزة، عن حل مشكلات أبنائها.
وينبغي علينا كنخب فكرية أن ننشر الوعي وبالدرجة الأولى الوضوح في الرؤية الاجتماعية والوضوح في التعبير عن مشكلاتنا، وأن نرقى بتفكيرنا وان نحاول أن نتعامل مع المجتمع بذكاء بشكل يؤدي إلى تطوير العلاقات الأسرية».
Reasons for divorce ‘vague and false’
by Bassam Za’a, Staff Reporter- gulf news
"Many Arab husbands accuse their wives of being disobedient or careless and file for divorce."
Marwa Kreidieh
Sociology researcher
Sociology researcher
"Many Arab men accuse their wives of being disobedient or careless and file for divorce when in fact they are embarrassed to say that they want a change or they are bored or that they are in love with other women.
"Meanwhile, many women call their husbands stingy or inconsiderate when in reality they desire to shed responsibility or there is another man," said Marwa Kreidieh, a sociology and anthropology researcher.
She spoke during a seminar titled Divorce and Its Effect on Local and International Communities
Addressing a gathering of social experts, members of the Diplomatic Ladies Association (DLA), and the local media, Marwa, who is the head of Media and Public Relations at the Centre, said: "Unfortunately, the divorce statistics in the Arab world are not precise and unofficial. We also lack proper and scientific studies behind causes of divorce. However, a recent study that was conducted by Prince Salman’s Social Centre in Al Riyadh revealed that divorce cases are continuously increasing in the Gulf region. For instance, in Qatar it is 38 per cent, in Kuwait it is 35 per cent, Bahrain 34 per cent and in the UAE it is 46 per cent." She stressed that statistics in Islamic countries are inaccurate.
"Though the numbers aren’t precise, but they are high and upsetting. While conducting my research, I discovered that there are many unnamed reasons or social taboo topics that lead to divorce. Eventually, the reasons that are being disclosed to be the main causes behind divorces are vague and false. Regrettably, this has been our status in the Arab world since our childhood. That’s why many husbands and wives fail to disclose the true reasons behind claiming a divorce," Marwa said.
She listed some of the social taboos in the Arab world such as sexual shyness among men and women, infertility, treachery, jealousy and other social and health causes
Survey reveals 46pc divorce rate
Khaleej Times - Yet another study conducted by the Ministry of Planning in Saudi Arabia has shown that since the year 2003, the divorce rate in the kingdom has been witnessing a 20 per cent increase and that 33 women get divorced every day. In Riyadh alone, divorced women numbered 3,000 compared to 8500 marriages
Marwa Kraidieh, a social researcher at Juma Al Majid Centre, said, "The statistics seem to be not very accurate but are nevertheless alarming. As part of my work and my communication with others, I found out that there are a number of hidden reasons why couples decide to get divorced and they seldom talk about the real reasons to others, claiming reasons that are far from reality as the cause.
"The way couples were raised during childhood, when they were prevented from expressing themselves freely and clearly, is considered one of the reasons for the increasing divorce rate. Some couples prefer to keep quiet rather than come out into the open. Some men intending to divorce their wives say that the wife is reckless and disobedient and prefer not to cite the real reason such as being bored with their wives or that they were having affairs. The majority of women intending to get divorced usually claim that their husbands are misers or are reckless whereas the actual reason remains hidden."
"The way couples were raised during childhood, when they were prevented from expressing themselves freely and clearly, is considered one of the reasons for the increasing divorce rate. Some couples prefer to keep quiet rather than come out into the open. Some men intending to divorce their wives say that the wife is reckless and disobedient and prefer not to cite the real reason such as being bored with their wives or that they were having affairs. The majority of women intending to get divorced usually claim that their husbands are misers or are reckless whereas the actual reason remains hidden."
These statistics were revealed at a symposium titled ‘Divorce and its Consequences on Local and International societies’ organised by Juma Al Majid Centre for Culture and Heritage in cooperation with the Diplomatic Ladies Association
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق