في الذكرى الثامنة لثورات "الربيع العربي" د. مروة كريدية – كاتبة واعلامية
يراقبُ العالم بحذر شديد الاحتجاجات في السودان، وفي وقت بدت وسائل الاعلام الغربية أكثر جرأة في تغطية الأحداث، فضّلت معظم العواصم العربية ووسائل الاعلام الرسمية التابعة لها تجاهل تطورات تلك المظاهرات و التزام الصمت إزاء مجرياتها. تزامن اندلاع هذه الاحتجاجات
مع حلول الذكرى الثامنة لما يسمى بثورات "الربيع العربي" التي أطاحت برؤوس
الأنظمة الحاكمة في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن. وإذا ما استثنينا التجربة
التونسية التي ساهم في نجاحها إلى حد بعيد حياد الجيش والعسكر منذ البداية والتزام
قادتهما بابقاء الحكم مدنيًّا علمانيًّا ديموقراطيا؛ فإن بقية الدول التي شهدت
ثورات مماثلة انجرّت إلى الديكتاتورية الشاملة عبر تولي العسكر لزمام الأمور لكافة
مرافق الدولة كما في مصر، أو غرقت في
العنف والصراعات المسلحة كما في اليمن وليبيا ، أما سوريا فقد آلت إلى حرب أهلية
مدمرة شاركت بها القوى الدولية والاقليمية و لم تضع أوزارها بعد مع بقاء النظام
على طغيانه.
ووسط المآلات الدرامية للثورات فإن السودانيين أمام تحديات حقيقية يصبح الحليم حيالها حيرانًا ، فمن جهة فإن المطالب محقة وعادلة لشعب يستحق العيش الكريم ، ومن أبسط حقوقه أن يعبّر بشكل
سلمي عن مشكلاته المتراكمة وسط انسداد الأفق السياسي بالتغيير؛ ومن جهة مقابلة فإن
كثيرون يخشون في أن ينجرّ السودان إلى العنف لا سيما إذا استُخدِم الجيش في قمع
المظاهرات ، فتؤول الأمور إلى ما لا تحمد عقباه وتدخل البلاد المنهكة أصلا، إما في
دوامة حرب دامية أو في انقلاب عسكري قد يطيح بالبشير ربما ولكن سينصّب ديكتاتورا
من جديد !
شعوب كثيرة في مناطق متعددة من العالم تعاني من المأزق نفسه ، فهي مجبرة
على الخنوع التام للديكتاتورية وسط فساد اقتصادي وغياب تام للحريات و التنمية
الشاملة والخدمات، في وقت يلوح الزعيم بعصا الحرب المدمرة متهمًا كل معارضٍ بالإرهاب
والعمالة لقوى أجنبية !
وَكَأن ثلاثون عَامًا غير كافية لِيحقق بِها
الحاكم التنمية لبلاده ! وكأن ثلث قرن مدة
وجيزة في عمر تطور الشعوب ! فثلاثة عقودٍ غير كافية لمعظم الحكام العرب للرحيل!
ويود أحدهم ليعمّر ألف ألف عام كَي يستمر في تسلطه ! ديكتاتوريات تمدد لنفسها
وتجدد وتتحكم بأنفاس البشر وهي تدعي أن ذلك هو السبيل الوحيد لحفظ البلاد من
الإرهاب ! فيما الدول الغربية تغض الطرف لا سيما وان كانت مصالحها
الاستراتيجية بخير.
وبغض النظرعن من يقف وراء تلك الاحتجاجات سواء كانت شبابية سلمية حرّة
أم كانت تحرّض لها جهات إقليمية ودولية مغرضة كما تدعي الأنظمة ، و بصرف النظر عن مآلات
ونتائج "ثورات الربيع العربي " الفاشلة ؛ فإنّ هناك حقيقة واضحة مشتركة
وهي حضور "الدولة التسلطية " في معظم الأنظمة العربية على الرغم من اختلاف
تسمياتها وتفاوت درجة انعدام العدالة في سلوك حكوماتها.
فالدولة التسلطية تحتكر لنفسها مصادر السلطة والقوة في المجتمع لصالح
النخب الحاكمة، مرتكزة في ذلك على اختراق المجتمع المدني وتحويل المؤسسات
المستقلّة إلى مؤسسات تابعة كامتداد لأجهزة الدولة في ظل هيمنة صارخة لسلطة
الاقتصاد، علاوة على البعد الأيديولوجي لهذه الدولة التي تسعى من خلال الأجهزة
الأيديولوجية إلى تبرير مشروعيتها والتأكيد على مركزية القيادة، مما يترتب عليه غياب
الحريّات في سبيل فرض القمع، الذي يكرس التراتبية الهرمية و التحكم بالأجهزة
العسكرية والأمنية التي لا تخضع لشورى الشعب أو البرلمان إنما الكلمة الفصل تكون
بشكل مركزي مرتبطة برأس الهرم الزعيم. فتتحول هذه الأجهزة من مؤسسات مستقلة يُفترض أن تحمي الناس إلى مؤسسة
فردية تقمع الشعب بأسره وتحمي الرئيس ليستمر في منصبه إلى مالا نهاية.
إن طبيعة الحكم التسلطي تحتّم استعمال العنف والإرهاب أكثر من
اعتمادها على الشرعية الحقيقية، سواء كان عنف مادي مباشر يطال الأبدان والأرواح أو
عنف وإرهاب فكري ومعنوي، فالانتخابات الشكلية التي يفرزها هكذا نظام لا معنى له،
لأنه يجمّد الحقوق المدنية ويستخدم نتائج هذه الاستفتاءات ليشرّع وجوده ويؤمن
الاستمرارية له.
و في ظل هذه السياقات السابقة، يتمّ تدوير النخب الفكرية، والعمل على
خلق
مثقفين مدافعين عن
وجود هذه السلطة، التي تحاول أن تخفي قمعها وإرهابها بأقنعة تبرر للسياسي وجوده
وممارساته.
كل ذلك يؤدي إلى إلغاء حق تداول الأحزاب المعارضة للحكم مما يؤدي إلى
الجمود في مؤسسات الدولة، وهذا الجمود في المؤسسات الحكومية يوّلد نفور عام خصوصًا
عندما تتزايد أخطاؤها مما يجعل من هذه الحكومة هدفًا ثابتا لسخط جماهيري مكتوم
دائم، وان بدا أن هذا الشعب محكومًا في الظاهر، لكنه يظل قائمًا محتدمًا في أعماق
المجتمع، فيتحول إلى مستنقعات تنمو فيها الأفكار المتشنجة المتطرفة، وعندما تقوم
الانتفاضات الشعبية في تلك الأنظمة تكون في طبيعة الحال ردّ فعل على العنف المسبق
للدولة، وفي الوقت نفسه يكون السبب الرئيس لإعادة إنتاج العنف من جانب أجهزة
الدولة، مما يوقع البلاد في دوامة لا تنتهي إلا بانتهاء الأسباب الدافعة لتلك
العلاقات .
أما من الناحية الاجتماعية فإن الفقر والحياة الخانقة وغياب الخدمات
والرعاية الصحية وشروط العيش الكريم يؤدي لنوع موازٍ من العنف الذي يظهر من خلال
سلوك الناس ولغتهم، فيصبّون جامّ غضبهم على من يعدّونه سببا لمعاناتهم فتنتشر
مشاعر العداء في نفوس المحرومين تجاه تلك الأقلية التي تتمتع بالرخاء فتتكاثر في
هذه المجتمعات طبائع السلوك العدواني سواء في التعامل مع الذات أو مع الآخر أو مع
مرافق الدولة التي لا يشعرون بالانتماء المعنوي إليها.
فالسودان يعاني من ضائقة اقتصادية خانقة ونقص حاد في العملات
الأجنبية وتضخم بنسبة 70 في المئة، وكان قرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف
شرارة اندلاع الاحتجاجات وسط غياب الخدمات الحقيقية والرعاية الصحية .
والسؤال : هل سيتمكن السودان من التغيير والخروج من الأزمة
الراهنة دون الانجرار الى المهالك؟
هذا ما لا يمكن الجزم به ولكن ما يعاني منه السودان الآن تعاني منه
معظم الدول العربية ، ومعظم الشعوب تقبع تحت انظمة حديدية مع اختلاف الوضع
الاقتصادي، فالراحة الاقتصادية والتنمية قد تنفسّ الاحتقان الشعبي لكنها لا تمنح
الانسان كرامته الآدمية ، فالشعوب يئست الأوضاع
في ظل انعدام اي أفق للتغيير !
#مروة_كريدية #المظاهرات #السودان #الاحتجاجات #السودانية في #الذكرى_الثامنة ل #ثورات #الربيع_العربي #الكاتبة_مروة_كريدبة #ترحل_بس #ارحل #الدولة #الدولة_التسلطية #القمع #الديكتاتورية #البشير #الرئيس_السوداني #الرؤساء_العرب #الحكومات_العربية #الديموقراطية #الحرية #العدالة_الاجتماعية #تداول_السلطة #الاصلاح_السياسي #فكر_سياسي #سياسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق