الأحد، 16 فبراير 2014

حكومة الطوائف في بلد الفساد





 حكومة الطوائف في بلد الفساد

مروة كريدية

"كيف يمكن لطاغية أن يحكم الأحرار الفخورين
، مالم يكن الطغيان (العنف) أساسًا لحريتهم ، والعار قاعدة لفخرهم ؟" يتساءل
جبران خليل جبران
انه لبنان ... أسطورة العيش المشترك !
ولدت الحكومة العتيدة في ظل تبادل للتهم والتخوين استمر قرابة عام ،
كيف لا؟ و سياسو الدولة محترفو "البهدلة" يدورون في دوامة  هستيريا 
الكراسي والحقائب الوزارية "السيادية" وغيرالسيادية، بعد ان
اصبحت "السيادة" كلها في خبر كان
! 
وفي حمى مهرجان تأليف "الوزارات"  تنفجر الاحداث الأمنية مرة أخرى، تلك الورقة
"القذرة" التي يرفعها الاطراف في وجه بعضهم من اجل تحصيل مكاسب أكبر
ومناصب أكثر! ونعود الى حرب الشوارع الأهلية الجائرة من جديد
!

مرة جديدة نجد ان الطبقة السياسية قابعة وراء سياجٍ عنصري طائفي !
مرة جديدة يضعنا الساسة امام صورة لبنان "القاصر" الذي
يحتاج دومًا الى "ولي أمر" ! وإلى "وصيٍّ" ! ولا فرق بين وصي
عربي او غربي او أعجمي
!

تارة في الطائف يتفقون  وطورا
في الدوحة يجتمعون ! ويخرجون دائمًا بعد كل مؤتمرٍ يقولون  "لا غالب ولا مغلوب !" والحقيقة ان
"الكل مهزوم
!"

وليس غلوًّا أن أقول ان كل الفرقاء ، لم يسجلوا سوى "انتصارات
سلبية" ، إنها هزائم متكررة في الحرية والوعي وخسارة كبيرة للانسان، فتنازلنا
الدائم عن إرادتنا الحرة لصالح محاور دولية وعجزنا الدائم عن حل مشاكلنا حوَّلنا
موضع إراداتٍ لا إرادة فاعلة
!

هذا هو مشهد ساحتنا اللبنانية الداخلية صورة درامية من أشكال العنف
الدامي والسخف السياسي، تتكرر خطابات العنف فيها لتليها انفجارات امنية

نتساءل دومًا من أين تنبع كل هذه الكراهية التي يحملها الاطراف تجاه
بعضهم البعض ؟ وما هي الاسباب ؟ ومن هو المستفيد ؟

إنها كراهية سببها ذاكرة مشحونة بعنف الخطاب الذي يستخدم الطائفية
متراسًا منيعًا لإخفاء الفساد ، المستفيد منها 
هو السياسي الفاسد دون شك

!

"الزعيم" ذاكرة الكراهية:

لقد كرست الحركة السياسية الطائفية في لبنان منذ استقلاله وحتى الآن
عقليّة عنصرية من خلال رموز مذهبية وذلك بهدف الحفاظ على منافع الزعامات، حيث عمدت
كل طائفة الى اختراع  "ماضٍ"
وتاريخ يتماشى مع مصالحها بحيث أصبح جزءًا أساسيًّا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية
"العنفية " لها
!

هذا الخطاب كرّس العنف كأيديولوجيا وكخيار، وذلك من خلال تمجيد
"الرمز الصورة" المتمثلة ب"الزعيم"، وبطبيعة الحال كلّ مذهب
له رموزه وزعمائه "الروحيين" منهم 
وغير الروحيين

!

 اننا كشعب لبناني اليوم مهددون فعليًّا من
خطر التطّرف العنصري المذهبي الأصولي بكل أشكاله ومستوياته ومسمياته، ربما مهمتنا
كلبنانيين واعين أن نعيد النظر في عبئ تاريخنا الطائفي الدامي، ونعمل بجدٍ وبكافة
الوسائل على تطهير الذاكرة من الحقد واللاعقلانية والعنف، نحتاج اليوم واكثر من أي
وقت مضى لقيادات فكرية وثقافية ناضجة، والى رؤى تربوية واعية، لإدارة مثل تلك
الازمة المستفحلة،التي لا ولن تنفع معها بعد الآن حلول شكلية ترقيعية لا تزيد في
الفرقة الى مزيد من الشقاق

.

وأولى تلك الخطوات تكون في تعرية المواقف الطائفية وتفكيك الاصطفافات
المذهبية، وايقاف سمفونية الهتاف وراء الزعيم اي" زعيم "، فالعنصرية
الصريحة التي يحملها أشخاص يفترض أنهم في موقعٍ مسؤول وفاعل، مخيفة بلا شك وتكشف
بدون لبس حجم المنافع الشخصية التي يسعون اليها في ظل صراعهم المحموم على السلطة
.

ثانيًا: تطهير الذاكرة الجماعية وتنقيتها من الحقد المولّد للعنف،
وارساء التسامح بوصفه جزء من تراث الانسانية المشترك، فالتسامح ليست بدعة إكتسابية
و ليس فعلا إرادويًّا محضًا، انه أصل انساني وجودي عميق،  وهو 
خيارنا الوحيد للسلام لانه  يقوي
انسانيتنا

.

ثالثا: نشر الوعي بين الشباب واحداث توبة جماعية وطنية بشكلٍ يستحيل
معه حمل السلاح أي تكن الموجبات فلا توجد حربٌ عادلة، وسبل الممانعة تكون بالطرق
اللاعنفية ومنها الطرق المدنية في التعبير عن الرأي
..

رابعًا : الانتقال في مستوى التفكير: من المستوى الغرائزي المسطّح
المنبني على الثنائيات الضدية المحكمة ( مع – ضد) ( صح – خطأ) (كفر – ايمان )...،
الى مستوى إبداعي انساني ارقى قائم على أبعاد أخرى تجد دومًا حلا ثالثًا وحتى
رابعًا...، هذه الرؤية تحررنا من من فوبيا "الآخر" والنظر اليه بوصفه
"شيطان" يستحق الرجم الدائم، كما تحررنا من أسر "الزعيم
الملاك" الذي يمنح نفسه القدسية من خلال رجم الآخرين
.

أخيرًا هذه القصة ،،،

في أوج الاستتباب الأمني في لبنان اواسط التسعينيات، دُعيتُ للمشاركة
في حوار الشباب اللبناني لمجموعة من الطلاب الجامعيين، حيث أراد المنظمون ان
يسبروا من خلال أراءنا، أحوال الشارع اللبناني وانعكاسات المصالحة الوطنية بعد
اتفاق الطائف، وذلك عبر طرح مواضيع تتعلق بقبول الاخر ونبذ العنف وآثار الحرب
والطائفية و مناقشتها . وقد شهدت هذه الحوارات سجالات عنيفة عكست اشد الانقسامات
الحادّة في بنية الفكر وفي مسألة فهم الهوية الوطنية فارتفعت أصوات المشاركين
وشعاراتهم اللاهوتية المكفرة والمنفرة وتحولت القاعة الى محاور استعملت فيها كافة
الاتهامات والشتائم

...

فانبرى نهاية الجلسة احد المشاركين ليعلن لنا: "وفاة الحوار بين
اللبنانيين....ناعيًّا السلم الاهلي... شاتمًا اسطورة العيش المشترك ... واصفًا
الوضع اللبناني كله بأنه نارًا تحت رماد ... وان الحرب الأهلية لم تنتهي
بعد...معلنًا بالنهاية الجهاد المقدس

!"

لم يعي معظم الشباب المشارك وانا منهم  وقتها ان هذا السجال يعكس حالة حرجة وخطرة،
برغم كل المؤشرات السياسية والاقتصادية والامنية الداخلية التي كانت  "شكلا"على  أحسن ما يرام فالامن مستتب
!

غير ان الخطورة كل الخطورة، ان تتبنى فئة الشباب عماد المستقبل خيارات
العنف، التي يتحول معها الشعب الى كائنات تفترسها الحروب ، وعناصر متشرنقة بالعقائد
والمذاهب متقوقعة في صدفة التاريخ

.

فما عنف اليوم الا حصائد عنف الامس، و يبقى طريقنا الوحيد نحو  مملكة الانسان عبر العبور بسلام الى فضاء
الابداع الحرّ في مجتمع الحقيقة والمحبة وسيادة المعرفة
...

من سخرية القدر ان هذا المقال كتبته عام 2008  ووجدته في طيات اوراقي اليوم! وكأن يومنا تكرار
للأمس دون نتعلم من اخطائنا شيئا !

 مروة كريدية – كاتبة لبنانية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق