مروة كريدية - محمد عثمان البرهاني |
مروة كريدية في مخيم سريف - دارفور |
الصوفية في السودان شاهد على امتزاج الثقافات والاعراق
فهل ستكون مدخل المصالحة في السودان ؟
مروة كريدية – السودان
عميق هو الإرث الصوفي في السودان ، تمتزج فيه الطقوس محدثة لوحة ثقافية فريدة على خلاف تلك التي نشاهدها في المشرق العربي ، اول ما يلفت نظر المشاهد ان المتصوف لديه درجة عالية من الانسيابية والتلقائية في التعامل واللطف واللين في التعاطي مع الانسان والمفاهيم ، فالسوداني متصوف بالسليقة دون تزمت و تعد المواقف المتشنجة والمتطرفة طارئة عليه وذلك بحسب إفادات مشايخ الطرق الذين قابلناهم .
فالشعب السوداني وبحكم جغرافية المكان كنقطة تقاطع ثقافي لعشر دول مجاورة تمتزج فيه الاعراق كما الأفكار تشاهد فيه القبائل الافريقية وأخرى من جذور عربية وبعض العائلات من امتددات أمازيغية ، هذه الشعوب وضعت تراكم حكمتها وارثها الروحي في منظومة طقوسية تستدعي من الباحثين الدراسة الجادة .
السوداني ان من يريد ان يجري مصالحة حقيقية بين السودانيين عليه ان يعبر لذلك عبر نفوذ الصوفية .
ويتواجد في السودان مايزيد عن اربعين طريقة صوفية، وتتميز بانتشارها الجغرافي فلكل طريقة مركز ثقل في منطقة جغرافية بالسودان، كما ان لها امتدادات قبلية وحتى عرقية؛ فبعضها ممتد إلى دول الجوار في نيجيريا وتشاد ومصر وغيرها…
دارفور “تيجانية ” !
وقد لاحظت خلال إقامتي في دارفور ان معظم سكان المنطقة هم من “الفور” و ينتمون الى الطريقة التيجانية ، كما ان معظم القبائل السودانية ذات الجذور الافريقية التشادية هم من اتباع الطريقة التيجانية ،وفي مخيمات النزوح وجدنا أبناء الطريقة يقومون بحلقات الذكر وقراءة الأوراد بدأ من الأذكار الأساسية للتيجانية وصولا الى جوهرة الكمال
فالطريقة التيجانية لها امتدادات في العمق الافريقي وهي متمركزة في تشاد و منتشرة في المغرب العربي في المغرب و تونس، ومؤسسها هو أحمد التيجاني .
أما الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية فهي منتشرة في الوسط والشمال وامتدادها في العمق المصري حيث انتقلت الى السودان عبر محمد عثمان البرهاني وتمتد الى ابراهيم الدسوقي في محافظة دسوق في مصر
أما الطريقة السمانية فهي تتمركز في وسط السودان، وتنسب لمؤسسها الشيخ عبد الكريم السمان ولد بمكة المكرمة واشتهر من شيوخها محمد وقيع الله البرعي ، وهناك مراكز كثيرة للسمانية في غرب أم درمان ومدني، في حين أن الطريقة ، “الختمية ” تنتشر في شرق السودان وشماله والخرطوم بحري وهي التي يترأسها “محمد عثمان الميرغني ، وتنتشر في النيل الأبيض، والجزيرة وأم درمان
أما الطريقة القادرية فتتواجد في وسط السودان ومنطقة ولاية النيل الجزيرة، وتتفرع إلى فرع الشيخ “الجيلي” والمكاشفية والبدراب والطيب الشيخ عبد الباقي
ولا توجد احصاءات فعلية حول اعداد المنتسبين الى الطرق ولكن بعض التقديرات تشير الى ان اتباع الطرق الصوفية يشكلون 65 بالمئة من الشعب السوداني وبعض الطرق يتجاوز اعداد منسبيها المليون انسان .
و في حديثٍ مع حسن سرّ الختم من الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية قال : يتميز كافة أتباع الطرق الصوفية بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وهم أفراد مسالمين على العموم تخلو بينهم المشاحنات “المذهبية” على العموم ، فالسجالات ليست من شيمهم .
وردًّا على سؤالنا هل توجد حساسيات وتعصب بين اتباع الطرق قال على العكس هناك تعاون حقيقي بين اتباع الطرق واحترام شديد وتقدير متبادل وزيارات دائمة:لان الفلسفة الصوفية واحدة تعتمد على مفهوم المحبة والاخوة الانسانية ؟ قائلا ان التسامح ورقي الروح من اجمل المعاني التي يحملها المتصوف … ففي ليلة المولد تجتمع كل الطرق الصوفية في مكان واحد في ام درمان وتحتفل بالذكرى ”
الطرق الصوفية تقيم شعائرها وطقوسها في مظاهر احتفالية كثيرة وفي الاماكن العامة والاحتفالات يشارك فيها الجميع من الجنسين ومن مختلف الاعمار ، ولكل طريقة أسلوب في اللباس اثناء الذكر وجلسته تعرف ب”الحضرة” يتم فيها تكرار لفظ الجلاله “الله” مدة تتراوح بين 30 دقيقة والساعة كما يتم سرد قصائد تمتدح النبي والقديسين
وفيما يلبس اتباع الطريقة المكاشفية أثناء عباءات خضراء متشحة بالأحمر فإن اتباع الطريقة السمانية يلبسون عباءات بيضاء غير أنهم يضعون أحزمة جلديو بنية اللون تشبه الدرع أما مريدي الطريقة البرهانية فيلبسون على رؤسهم قبعات برتقالية؛ وبحسب الارث الصوفي فإن للألوان دلالات تعكسها وترمز اليها .
ويقول أحد أفراد المعارضة السودانية رفض الكشف عن اسمه:” أنه من حيث الاصل فإن المنظومة الدينية في السودان متسامحة جدًا والسودانيون متدنيون بفطرتهم ، وهم شعب سمح بطباعه، ولم يعرف السودان عنف الممارسات الدينية الا بعد وصول حركات الاسلام السياسي الى سدة الحكم !وكما تعلمين فإن حركات الاسلام السياسي تتخذ منحى (التغيير ولو بالقوة ) لذلك فهي تستخدم الخطاب التحشيدي النضالي وهي تستعين بالافكار السلفية المتطرفّة التي تعد غريبة عنا .. لذلك فالاسلام السياسي لا يحب الصوفية لانها متسامحة كما ان الاسلام السياسي غير من عادات الناس فالنقاب ليس من تراثنا والمرأة السودانية التقليدية لم تغطي وجهها يومًا ولم تتشح بالسواد ابدًا ولباسها التقليدي محتشم وذو ألوان كثيرة وزاهية”
وفيما يرى البعض ان الطرق الصوفية طرق روحية لا علاقة لها بالشأن السياسي لا من قريب ولا من بعيد ، فإن بعض المراقبين يرون ان الصوفية مؤثرة في العمل السياسي، وربما يستغلها بعض السياسيين ، ومساهمتها سيف ذو حدين اذ انه من الممكن ان تستغل ايجابيا او سلبيا، فرجال السياسة يستعينون برجال الصوفية للتباحث معهم في أمور الناس واحيانا يأخذون بآرائهم وذلك لانتشار اتباعهم ولما لهم من تأثير كبير على الناس؟ لذلك فإن هناك مقولة منتشرة بين اصحاب الرأي
التحقيق نشر في ايلاف 24 حزيران 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق