الخميس، 14 فبراير 2013

تمثال الحرية : إبداع مغموس بجدلية الرمز




تمثال الحرية : إبداع مغموس بجدلية الرمز
 
مروة كريدية من نيويورك
 
من أمام خليج نيويورك يطل تمثال الحرية كإبداع فنّي راقٍ ممزوج بمعانٍ حملت الثورة بوجه آلة العنف الممارسة بحق الإنسانية ومع مرور أكثر من 230 عامًا شهدت البشرية خلالها أقسى الحروب العالمية وفي عصر تعولمت فيه القيم الإنسانية يطرح المراقبون أسئلة جادة حول صدقية ورمزية الحرية في ظل تنامي أنانية الاقتصاد المعولم وديمومة السياسات التي تكرس الحروب المدمرة .
 
وفي طريقنا نحو الجزيرة التقينا توماس سميثTomas smith  الباحث التاريخي الذي أشار إلى أن الولايات المتحدة حاولت أن تجسد الفكر الليبرالي والديمقراطيات في العالم متسائلا : لا ندري إن كانت استطاعت أن تحقق ذلك أم لا وعن رمزية التمثال قال هذه السيدة تحمل كتابًا نقش عليه تاريخ العيد الوطني الأميركي وهو 4 تموز يوليو 1776 وفي يدها الأخرى شعلة ترمز إلى التحرر من الظلم والاستبداد . و عن التاج الذي يحيط برأسها فإنه يتكون من سبعة مثلثات أو أسنّة تشير القارات السبعة والمحيطات الموجودة في العالم.
 
وردًّا على سؤالنا حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في دعم "الحريات"  قال الأولوية كانت في الأعوام الأخيرة لمكافحة الإرهاب لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر التي أصابت العالم بالذعر، لذلك فان تحقيق ذلك تطلب بعض الممارسات "غير الديمقراطية أحيانا " للحفاظ على الأمن القومي؛ وهو أمر أيده وباركه معظم الأميركيين. مشيرا في الوقت عينه إلى أن جزءًا ضئيلا من الشعب الأميركي يعتبر أن خوض الحروب في أفغانستان والعراق غير صائب .
 
من جانبها الباحثة الفرنسية رين لا كافو Réine Lacavou  اعتبرت أن فرنسا هي أول من أرسى مبادئ العلمانية والديمقراطية في العالم مشيرة إلى أن تمثال الحرية من هندسة فريدريك  أوغوست بارتولدي   Bartholdi Frédéric Auguste بينما صمم هيكله الإنشائي غوستاف إيفل Gustav Eiffel  وان فرنسا قامت بإهدائه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 28 تشرين الأول عام 1886 كهدية تذكارية ؛ في إشارة منها إلى أن الفكر الليبرالي صنيعة فرنسية والإهداء كان بمناسبة مئوية الثورة الأمريكية (1775-1783).
 
لاكافو اعتبرت ان الولايات المتحدة والدول الأوروبية والناتو ليسوا "أبرياء " تمامًا من العنف بل إنه على الرغم من زعمهم الدائم بدعم الديمقراطيات والحريات ، إلا أنهم  على أرض الواقع يتغاضون عن العنف الممارس بحق الشعوب مشيرة إلى مواقفهم المتخاذلة حيال القضايا الإنسانية المحقّة في العالم و موقفهم حيال المهاجرين وحيال الحروب في الشرق الأوسط .
 
لاكا فو أشارت إلى أن رمزية الشعارات تسقط أمام مصالح الدول العملية الخارجية وان كانت الدول الغربية أكثر احتراما وديمقراطية مع مواطنيهم، قائلة "نعم ربما يمارسون الحريات والديمقراطيات في بلادهم ومع مواطنيهم غير أن سياساتهم الخارجية تحكمها المصالح " .
 
وبالعودة إلى المصادر التاريخية تشير الوثائق إلى أن المصمم فريدريك بارتولدي كان قد عرض على الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا نموذج مصغر لتمثال يمثل سيدة تحمل مشعلا ليكون رمزًا يوضع أمام مدخل قناة السويس التي تم افتتاحها عام 1869 و كانت تُعد أحد أهم الانجازات الإقليمية والدولية في تلك الآونة ،  بيد ان الخديوي تذرع بالتكاليف الباهظة للمشروع رافضًا الفكرة لانعدام السيولة اللازمة خصوصا و ان حفل افتتاح القناة كان قد ادخل الميزانية في عجز مريع حيث دعي إليه أباطرة وملوك العالم وقريناتهم لحضوره  الذي تم في 16 نوفمبر 1869، وقد كان حفلا أسطوريا ووصلت الحفلة إلى مستوى فاق التوقعات .
 
في هذا الوقت، كانت الجمهورية الفرنسية الثالثة (1870-1940) تتملكها فكرة إهداء هدايا تذكارية لدول شقيقة عبر البحار من أجل تدعيم أواصل الصداقة ، لذلك تم التفكير في إهداء الولايات المتحدة الأمريكية هذا التمثال في ذكري احتفالها بالذكري المئوية لإعلان الاستقلال، والتي يحين موعدها في 4 يوليو 1876.
وتم الاتفاق علي أن يتولى الفرنسيون تصميم التمثال بينما يتولى الأمريكيون تصميم القاعدة التي سوف يستقر عليها. من أجل ذلك بدأت حملة ضخمة في كل من البلدين لإيجاد التمويل اللازم لمثل هذا المشروع الضخم ؛ ففي فرنسا كانت الضرائب ووسائل الترفيه التي يستخدمها المواطنون وكذا اليناصيب هي الوسائل التي استطاعت من خلالها فرنسا توفير مبلغ 2,250,000 فرنك لتمويل التصميم والشحن إلى أميركا.
 
 
 
معلومات عن تمثال الحرية :
يقع تمثال الحرية جزيرة في خليج نيويورك و يبعد مسافة 600 مترا عن مدينة جيرسي و2.5 كيلومترا إلي الجنوب الغربي من مانهاتن، بمساحة إجمالية تقدر بـ 49,000 متر مربع .
ويرتكز التمثال على قاعدة أسمنتية-جرانيتية يبلغ عرضها 47 مترا (154 قدم)، ويبلغ طوله من القدم إلي أعلى المشعل 46 مترا (151 قدم)، بينما يبلغ الطول الكلي بالقاعدة 93 متراً (305 قدم). ويتكون من ألواح نحاسية بسمك 2.5 مم) مثبتة إلى الهيكل الحديدي، ويزن إجمالياً 125 طنا.
يحيط بالتمثال ككل حائط ذو شكل نجمي (نجمة ذات 10 رؤوس)، وقد تم بناؤه في عام 1812 كجزء من حصن وود (بالإنجليزية: Fort Wood) والذي استخدم للدفاع عن مدينة نيويورك أثناء الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865).
في 15 أكتوبر 1924 تم إعلان التمثال والجزيرة كأثر قومي، وتقوم بإدارتها إدارة الحدائق الوطنيةNational Park Service - NPS)، وهي تعتبر الجهة الفيدرالية المنوط بها إدارة المناطق الأثرية في جميع أنحاء الولايات.
 



 للاطلاع على فيديو مصور على يوتيوب 

أضف الى مفضلتك


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق