مروة كريدية تبدع الأدب فلسفة و ترتقي بالسياسة الى الجمال
وكالة أخبار المرأة - تحاور الأديبة والتشكيلية اللبنانية مروة كريدية
أجرت الحوار : نجوى شمعون
هنا نرتقي نصعد سلالم الروح بدهشة وألم وهدوء كامل في ممرات النفس في قفزة ضوء للممر المعتم فينا تنزلق العتمة وتبتعد تنفض ما علق بثوبها من غبار كنبوءة صغيرة تهز البياض وتفتنه كأن الكتابة نبي أو وحي يوحى كيف يمكنك أن تحاور النفس وهى تقرع أجراس الحياة في مداخلات متشابكة تتلفها الحرب حيناً وحيناً آخر تقرعها صرخات الضحايا ليس أثقل من فزع روح حين تتهاوى بها الجراح الكتابة تشفى الجروح لكن الندبة من يشفيها من وجعها كاتبتنا مروة كريدية تتجاوز مناطق الألم أكثر بكثير بالأدب الذي ينحاز للجمال وللروح هادئة في جمال يشي بروعة دواخلها نتهدل فيها كلما قرأنا من كنوزها وغاباتها وتحفها
ينفلت الجمال مرة واحدة لا لجام له وحده يأتي مزهواً وبكل ثقة يتغلغل في الضوء ويمتزج ويتكاثر يخفف من حدة العتمة لتنهار
مروة كريدية كاتبة لبنانية مرهفة ومخلصة لقضاياها بامتياز متقن لا تنحاز لجهة على حساب أخرى ولا تقف ضد ديانة أو عرق أو فن هى لا حدود لأفكارها ولا لفنها،كتاباتها هى لوحة بحد ذاتها ناطقة وتتحرك في كل مكان كما لو كانت الكتابة واللوحة تمثال آدمي تصب فيه الدم الطازج فيركض في كل مكان،ليست الكتابة وحدها انها لصيقة الفنان المتعدد المواهب والهادئ والصاخب تطل علينا من بقعة ضوء
تتجاوز الكاتبة مروة كريدية في حوارها الأبعاد الشكلية للأدب والفنون لتتصل بالفلسفة والوجود، وهي تطل عبر مقاربة كونية وتُعمل الأخلاق في السياسة كاشفة عن ينبوع المحبة والفطنة الكامن في الانسان ، وتشير الى ان مواكبتها لأتون الحرب الأهلية والأحداث الطائفية في لبنان جعلها ترفض بشكل قاطع كل عنف وتدين كل اصطفاف.وترى ان اعمالها وكتاباتها هي محاولة لفتح ثغرة بسيطة، في أفق كونية الانسان اللامتناهية، في عصرٍ تنازعته فيها شهوة السلطة والسيطرة، وغَالبه جشع الاستهلاك، واكتوى فيه بأتون الحروب، وغرق فيها في دماء الصراعات، وأضحى أسير عنف دائمٍ مستديم… أدى إلى بتره عن كونيته الأصيلة وحُوصِر في دائرة أناه وانفعالته. كما تطالب المرأة بفرض حضورها وعدم استجداء المطالب من مجتمعات ذكورية احترفت ممارسة الفوقية، لان الثقة بالنفس وتقدير الذات سرّ التألق ومكمن كل إبداع .
****
"المرأة روح القصيدة رمز الجمال ….
ومعاناة الحرب الأهلية جعلتني أرفض بشكل قاطع كل عنف وأدين كل اصطفاف"
o نستشعر بالبعد الفلسفي لكتاباتك وقصائدك من أي الموضوعات تنطلقين عادة ؟
أي ابداع لا يُتقنُ من دون عِشق او شغف يَشف الفؤاد فدوافعنا تنبع من هَوى – بِغض النظر عن توجه هذا الهوى – هذه النوازع التي تَختلجنا تتنوع وتطور بحسب الأحوال التي نمرّ بها وتعكس تطور خبرتنا الحياتية والنفسية، بالنسبة لي عكست بعض كتاباتي الفكرية خبرات عملية حياتية تناولت قضايا اجتماعية تتعلق بسلوك بني البشر .
اما الخواطر على وجه التحديد، وسميها ان شئت "قصائد" فهي تَخط سيرة روح وخبرة ذات في علاقة مع الأزلي مع المطلق على نحو يتجاوز الظاهر السطحي الى العمق حيث الصوفية الحقة ؛ لذلك تبدو الخواطر "جريئة" و "عارية " تتسم بالحرية لأنها تختبر العلاقة مع الأبدي او اللاتهائي الكامل في اتساعه وعمقه دون قيد او حدّ .
o للمرأة حضور في دواوينك "معابر الروح " و "لوامع من بقايا الذاكرة " فهي المعشوقة و رمز الجمال ، ماذا تعني لك المرأة ؟
الحب والعشق المتجسد في بعض القصائد كناية عن تلك العلاقة مع الابدي وفي تلك الآنة تتفكك هوية الكائن الانساني وتتلاشى "انتمائه"، وتغيب تماما الفروق النوعية بين الجنسين وتصبح النظرة للكائن الانساني بكاّيته لا بخصوصيته البشريته .لذلك فإن "الانثى " الواردة في قصائدي لا تعني المرأة ، بل مقام روحي تنعكس فيه التجليات الوجودية وهي كمرآة للجمال في عالم استثنائي ساحر وهو بعيد عن الواقع المبتذل الذي يستنزف اشراقة الروح .
لأن ما يُسمى ب "الحب" كمصطلح متداول اصبح يعني الاستهلاك والامتلاك ؛ والتعلق بالاشخاص يشبه الى حدّ بعيد عبادة الاصنام، فيقع المرء فريسة ما يقدس ويصبح سجينا له سواء كان متعلقا بأيديولوجية او دوغما و عقيدة منغلقة او شخصية .
أما ديواني "لوامع من بقايا الذاكرة" فهو انعكاس لبعض المفاهيم الفكرية والفلسفية حيك بأسلوب سِرَّاني، لانه ينطلق من الخبرة الروحية ، فكل شيئ يوحي بوحدة الوجود، و وحدة القضايا الانسانية، و وحدة حقيقة الحكمة الانسانية الخالدة على الرغم من تبدل الأشكال وتمايز الصور.
o ماهو تأثير مدينتك ومجتمعك على كتاباتك ؟
بطبيعة الحال فإن المعايشات اليومية لها أثر في وضع الانسان، فالوضع الاجتماعي والوظيفي والمحيط السياسي بما فيها الحروب قد تصدم او تدمر ذواتنا، كما يمكن لها ان تكون حافزا للابداع فتطلق امكاناتنا ومواهبنا الداخلية العميقة اللامحدودة .
انا ولدت في بيروت وعشت بها حتى انهيت دراستي الجامعية ، فمعاناة الحرب الأهلية التي مرت في طفولتي والتشظي الأسري وتناقضاته والصراعات الاجتماعية والطبقية والطائفية التي شاهدتها…والتي خلقت أهوال فظيعة مشحونة بالعنف والكراهية والحقد كلها أحدثت نوع من الانقلاب الفكري في مفاهيمي جعلتني أرفض بشكل قاطع كل عنف وأدين كل اصطفاف. بعبارة أخرى جعلتني أغادر مستوى الواقع الدامي وادين كل تقوقع. ولا أدعي اني وجدت طريقا بل ثابرت كي اتلمّس حرية روحي واعمل على تحقيق مصير أكثر اشراقا وكما اني واعية لنواقصي لان الجدارة هنا تكمن في هذا الوعي لمحدوديتي ككائن بشري ولكونيتي اللامحدودة كإنسان كوني عار عن كل تبعية .
" لست كاتبة ولا شاعرة …
ماأقوم به حصيلة صُدف وجودية من تدبير القدر "
o ما هي العوامل المؤثرة في هذه المسيرة الابداعية التي تتنوع بين الكتابة الفكرية والشعرية والرسم أين تجدين نفسك في الأدب ام التشكيل ام العمل الثقافي ؟
بداية الابداع لا يقتصر على المثقفين او الادباء او الفنانين …وارفض الادعاء اني واحدة منهم… ربما ما اقوم به هو نتيجة مفارقات وحصيلة "صُدف " وجودية ادت الى وضعي الحالي، ولكن أكثرما أقوم به هو ما احب ان اكون عليه.
أكرر ما أشرت له في مقابلات سابقة ويوم تلو آخر أشعر بترسخه، وهو اني لست "كاتبة" ولا "شاعرة" و لا "رسامة " ولا أي توصيف مهني او وظيفي او حتى توصيف سلوكي .قد أكتب او ارسم او حتى أغني لطفلي او أقوم بخدمة عائلتي، المهم اني أعمل كيفما تقودني الصدفة لأن أعمل، ولا أدعي البتة بأني أعرف أو أحترف أو أمتهن أي شيئ مما أقوم به ، لكن عندما أتمعن في خطوات مسيرة حياتي أتلمس أن جزءا كبيرا منها كان بوحيٍ من الروح وتدبير القدر .
لأن حياتنا اليومية كبشر ليست الا عبارة عن سلسلة من التسويات التي نقوم بها ونعتقد انها صحيحة او خاطئة، بيد ان تَدافُع الايام يكشف لنا فيما بعد عن مدى صلاحها اوخرابها ، فكثيرة هي الخيارات التي اتخذناها ونحن نعتقد بصحتها لحظة اختيارنا اثبت لنا الزمن فشلها ، وكثيرة هي الخيبات و "الفشل " الذي تعرضنا له كشفت لنا الحياة فيما بعد انها كانت لصالح نموّنا الروحي وايقاظا لخبراتنا الكامنة.
****
"رؤيتي السياسية لا تخرج عن دائرة الوعي والتأمل واللاعنف مبدأ كوني
لا اعتقد بجدوى السلاح….. ولا أؤمن بأي ثورة مسلحة"
o هل هذه الرؤية الروحية تدخل ايضا في كتابتك السياسية ، علما ان البعض يرى ان السياسة والاخلاق لا يجتمعان ؟
رؤيتي للأمور الاجتماعية والسياسية لا تخرج عن خبرتي الروحية، فأنا أؤمن باللاعنف والتداول كرؤية سياسية، وأناهض الاستهلاك والاحتكار في مجال الاقتصاد والتجارة ، و اؤمن بالصفح والمحبة والرحمة والعدالة في العلاقات الاجتماعية، وارى ضرورة الاستنارة في الامور العقلية وأجد ان الحفاظ على البيئة واحترام الطبيعة والرفق بالحيوان والتعامل مع الكائنات بعيدا ان الاستهلاك الفظ للنعم الطبيعية من صلب كونيتي. وكل هذه الأمور تنضوي في دائرة الوعي والتأمل وتمام اليقظة الروحية .
فخبرة الروح تتجلى في كافة أشكال المادة ، اللاعنف لا يعني فقط القضايا الكبرى والسياسية بل يتجلى في أبسط سلوك نقوم به في حياتنا مع الآخرين انه تربية النفس وتدريبها للحد من غطرستها تجاه الأغيار لاننا كثيرا ما نمنح انفسنا "السلطة" ونمارس القمع تجاه الاخرين بحجة اننا أكثر فهما منهم ! ونمنح نفسنا حق احتقار الحيوانات وتعذيبها علما انها لا تؤذي أحدا ان وجدت في بيئتها الطبيعية .
o هل طرح مبادئ اللاعنف في السياسة سينهي العنف ؟
لا أعتقد ان الإضاءة على اللاعنف وطرحه سينهي العنف ، ولكن ما نقوم به مثله كمثل ماسحة زجاج السيارة لا توقف المطر ولكنها تجعل رؤية السائق واضحة ، عندما يعي الانسان شروط الواقع المحيط به ويفتح عينيه جيدا سيجد عمق العنف المتحكم به والعنف الذي يمارسه دون دراية، عندها سيتغير من الداخل ويرى جمال المشاركة وسحر الطيبة بين البشر .
o من وحي "الربيع العربي " ، ما رأيك اذن بالثورات ؟
لا اعتقد بجدوى السلاح، انه مدمر في كل الاحوال. ولا أؤمن بأي ثورة مسلحة مهما كانت غايتها "نبيلة" لانها متأسسة على الغضب والتسرع والانفعال والانتقام والثأر، وهي امور مدمرة، الثورة اللاعنفية هي تلك التي توقف شتى انواع التعاون مع اجهزة القمع، وتمانع بسلمية تامة شتى انواع الظلم بحيث تجعل الآخر المعتدي في موقف اخلاقي ترغمه فيه على التخلي عن غطرسته. وهذا السلوك يحتاج لشجاعة مميزة وهي ان تقاوم الظلم دون ان تحمل اية ضغينة تجاه المعتدي.
o هذا يعني انك تعالجين موضوع العنف المادي والسياسي بالأخلاق ؟
لقد حاولت في كتابي فكر على ورق ان القي الضوء على تفكيك مملكة الارهاب الفكري عبر مقاربة وجودية واشرت في المقدمة الى اني :"لا أوجِّه من خلاله بمقتربٍ فكري تام، ولا أطرح عبره بديلا مقدَّسًا، ولا أدعي فيه ملكية الحقيقة، ولا أسعى منه للتبشير بشيئ، ولا أقدمه على انه وصفة سحرية لداء فتاك …فَجُلّ ما سعيت إليه محاولة فتح ثغرة بسيطة، في أفق كونية الانسان اللامتناهية، في عصرٍ تنازعته فيها شهوة السلطة والسيطرة، وغَالبه جشع الاستهلاك، واكتوى فيه بأتون الحروب، وغرق فيها في دماء الصراعات، وأضحى أسير عنف دائمٍ مستديم… أدى إلى بتره عن كونيته الأصيلة وحُوصِر في دائرة أناه وانفعالته."
o نجد ذلك ايضا في كتابك الاخير "استراتيجيات الامل في عصر العنف" ؟
نعم كتاب "استراتيجيات الأمل " اتى مكملا لكتاب "فكر على ورق" وهو تعرض تصريحا للعنف وتساءل عن معناه، وحدوده، وتجلياته في السياسة والاعلام والاقتصاد وتناولت فيه موضوع الديموقراطية والعصيان المدني وانسنة السياسة والاقتصاد، فمسألة العنف تتراوح بين عنف الخطاب وإكراهات الواقع، كما تناولت من خلاله إشكاليات العنف الرمزي وأشكال الهيمنة التي نجدها في تاريخ البشر المليئ بالحروب ؛ مع التمحيص في الاسباب الفكرية المؤسسة للعنف والتي اهمها انشطار الفكر البشري عبر المنطق الثنائي العاجز. لاننا كبشر دوما نتشظى في دائرة الثنائيات (الحب والكره – الخير والشر – العدو والصديق ….. ) بيد ان هناك دوما مستوى ثالث مغاير .
بالمناسبة ،هذه الطروحات ليست "خلقا جديدا " او "اختراعًا عظيما " بل نجدها عند الهنود الأدفيتيون كما عند المتصوفة من كل الأديان كما نجدها في بوذية الزن ، هذا ما نلمسه عند كونفوشيوس و غاندي و ابن عربي و الحلاج و سبينوزا …
o هل تعتبرين ان دعوتك الى اللاعنف رسالة او ايمان يجب الدفاع عنه ؟
لا. لا ادافع عن ايماني او معتقداتي او كتاباتي او اعمالي … ببساطة شديدة هي مجرد نثرات فكرية تصيب وتخيب وتطور وتتبدل، لا احب ان اكون "طرفا" بل اقبل بمحبة كل ما يدور من حولي ولست "مناضلة" بل مجرد انسان يحاول ان يتناغم مع الطبيعة وموسيقى الكون والوجود.
****
"لوحاتي ليست ذو قيمة فنية بل مجرد خربشات …
واتساع المعنى لا تستوعبه الريشة دائما"
o بالعودة الى أعمالك التشكيلية ، هل تختارين ألوان محددة للوحاتك أم تعتمدينها بحسب احساسك بالواقع ؟
اللون مدعاة للتأمل وتنكشف من خلاله المضامين. وعالم الرسم والتلوين عالم بديع ساحر تجدين من خلال المزج معادلات رائعة تتمازج لتعكس الموجودات والظواهر وتشكلات الطبيعة وتوازناتها، وبعض اللوحات ربما تحمل قيمة تجاوزية للمألوف تكشف بدائل وتتداعى الخطوط لتستكنه الجوهر .ومهما يكن فإني اتّجه نحو "البدائية " في التشكيل والتعبير لدرجة اني ألآمس عمل الاطفال في التسطيح احيانا ولا ضير في ذلك لان اتساع المعنى احيانا لا تستوعبه الريشة.
في وقت من الاوقات اتسمت لوحاتي بالألوان الترابية ومشتقاتها وفي احيان اصطبغت باللون الأحمر والاصفر وما بينهما، ومرات في زرقة البحر تبحر الريشة حتى تغيب في حمرة الشفق.
على اية حال اعمالي كلها لا يمكن ان تصنف بانها "لوحات" ذو قيمة فنية بل لا تتجاوز خربشات ألوّنها بشغف بالغ .
أما في بداية اعمالي التشكيلية فكنت غالبا ما أحاول ان أحاكي لوحات فنية عالمية معروفة فأعيد رسمها على طريقتي ، فمثلا اعدت رسم لوحة أعمال الفنان المشهور فريديريك ارتور بريدحمان التي صور فيها الحياة في القاهرة في القرن الثامن عشر؛ ولكني الآن اتجه نحو التجريد والتبسيط .
o ماذا عن المرأة في لوحاتك ؟
المرأة في لوحاتي كما في كتاباتي تمثل مقام الانثى كما تجسد بعض الواقع "الغير عادل " بحق السيدات. فلوحة السجينة مثلا تمثل البعد الاجتماعي في التعاطي مع المرأة، لأن المرأة سجينة تصور انها كائن يحقق "المتعة " فهي اما المرأة السلعة السليكونية او المرأة التي يجب ان تُخبأ خلف الستار وتحت العباءة. وفي كلتا الحالتين هي سجينة تصور نمطي يستبعد بعدها الانساني ، والمرأة كما الرجل انسان ينبغي ان يحقق تمام انسانيته والمرأة الانسان هي الأم والحاضنة لكافة تجليات الرحمة والجمال . أما في لوحة "الصرخة" التي تجسد امرأة تصرخ في وجه أتون الحرب . فباعتقادي ان الأمهات قادرات على وقف دوامة العنف من خلال المحبة التي يهبنها لأطفالهن والسلمية والرأفة التي يزرعنها في قلوب أولادهن.
o اذن هل تدافعين عن حقوق المرأة في كتابتك ولوحاتك ؟
أشرت لك اني لا أتبنى أي موقف "هجومي " او "دفاعي " أفضل الموقف الانساني ، ولم أرغب يومًا في الكتابة للمجلات المسماة نسائية . لا لشيء بل لأنها مجلات بمعظمها تكرس الحماقة والثقافة القائمة على الاستهلاك والتبعية في مجتمع ذكوري. ولا أحبذ تخصيص المرأة برأي او برنامجٍ خاص في وسائل الإعلام لأن التخصيص من وجهة نظري يكرس مبدأ الفصل في الفكر الإنساني.
تحدث كثيرون باسم المرأة وحقوقها والعنف يطفح من نفوسهم وسلوكهم وتحدث آخرون عن الحرية وهم طالما تذللوا أمام جلاديهم.
لذلك من الأجدى ان نكتب للإنسان والكون بشكل عام ، فالوعي بإنسانيتنا سيجعلنا نُنصف كل من حولنا ونتعامل معه بعدالة سواء كان رجلا ام امرأة ام طفلا ، أو حيوانا أو حتى البيئة الطبيعية من حولنا فنتعامل معها بمبدأ الرحمة وعدم الأذية .
عندما نطل الى العالم بعيون كونية وقلوبٍ محبة سنخرج تلقائيا من دائرة الاصطفافات والتقسمات في هذه اللحظة تغيب عنها على الحقيقة أبعاد التقسمات البشرية وتبقى الأمور الكونية الكليّة .
o لكن كيف تنصحين السيدات بالخروج من دائرة الرجل الى الدائرة "الكونية " كما تسمينها ؟
لنحترم إنسانيتنا كسيدات أولا ونفرض حضورنا ونكفّ عن استجداء المطالب من مجتمعات ذكورية احترفت ممارسة الفوقية، فلسنا بحاجة لاعتراف أحد بإنجازاتنا ، فالثقة بالنفس وتقدير الذات سرّ التألق ومكمن كل إبداع .
فالحرية –كما أراها - هي الخروج من دائرة الاشخاص الى مجرة الحياة الشاسعة .. وعندها لن نضطر لكتابة مقال خاص بالمرأة وآخرللرجل بل سننعم بانسانيتنا في اطار كوني يتجاوز كل انقسام .
******
" نوع جديد من الكتابة الأدبية سيظهر وجيل الشباب الصاعد لم يعد يكترث ب"المطولات " وهو لا يأبه باعتراف "النقاد التقليديين" به."
o في شأن آخر من وجهة نظرك هل شكل الموقع "الفيس بوك" اختلافاً لتجربتك الأدبية والفنية أم لم يضف الكثير ؟
بداية عالم الأنترنت شكل وسيلة اتصال عالمية رائعة وهذه الوسيلة اتاحت لمستخدميه التواصل السريع ، وكما كلّ الوسائل فهي إما ان تُستخدم لخدمة الانسان بشكل رائع او ان يكون وسيلة مدمرة نتائجها مريعة .
عن تجربتي الشخصية فإني بطبيعة الحال خضت العالم الافتراضي عبر الشبكة العنكبوتية، بداية عبر المجلات الالكترونية الرسمية والمنتديات ثم عبر مدونتي والآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فيس بوك ويوتيوب ، ولا ندري غدا ما هي الآفاق التي ممكن ان يفتحها لنا الفضاء السيبيري .
من جهتي في بداية كتاباتي الإلكترونية تعرضت لخيبات كثيرة ومواقف فاشلة، بداية هجوم من زملائي في الصحف الورقية مع بداية عام 2000 مستهزئين بما ما اسموه ظاهرة "كُتاب الانترنت " ولكن أثبت المدونون جدارتهم وكسروا الاحتكار النخبوي الذي كان يمارسه مديرو التحرير والانتقائية علاوة على مقص الرقيب الذي يتدخل في كل كبيرة وصغيرة .
كما ان الكتابة الالكترونية والنشر الالكتروني تحفه "المخاطر " لجهة طريقة تداول وانتشار المعلومة ،إذ ممكن ان تُجتزأ المعلومة ويتم تداولها بشكل مغلوط مما يعرض صاحبها للاجحاف ، ومن الامثلة ، اتهمني احد القراء (الذي لم يذكر اسمه) بالاقتباس عن كاتب آخر علما ان مقالتي الاساسية ذكرت فيها المراجع العلمية بحذافيرها ودقتها وناقشتها وكانت من باب الاستدلال العلمي، وكان سبب الخلل ان احد المواقع الاكترونية حذف الهوامش والمراجع عند نشر المقالة دون علمي بالأمر. ولكني استمريت بثبات وجدارة لأني في مدونتي أوثّق كل التفاصيل واحرص على الدقة .
بالعودة الى مواقع التواصل الاجتماعي فإن كثيرين من اصدقائي أعرفهم شخصيا واثق بهم وهم اصدقاء "صدوقين " واتواصل معهم دون وجل، كما يوجد اشخاص حقيقيون بأسمائهم الفعلية اعاملهم باحترام ، ايضا هناك اشخاص افتراضيين لا اعرفهم اتعامل معهم بحياد وحذر، ولكن احرص كل الحرص الا اسمح بنشر أي من الشتائم او الاصطفافات او التهجم على أي كان في صفحتي.
أدبيا ، ربما الفيس بوك وتويتر علمنا "الايجاز " في التعبير عما نريد بشكل بسيط ومختصر بعيدا عن المطولات، واعتقد ان نوع جديد من الكتابة الأدبية سيظهر مع الوقت لان جيل الشباب الصاعد لم يعد يكترث ب"المطولات " من الكتب والمقدمات المملة وهو لا يأبه باعتراف "النقاد التقليديين" به. وفي ملتقى أدباء الخليج الذي انعقد مؤخرا في دبي تمت مناقشة هذا الموضوع وقد أشرت لبعض المشاركين ان على النقاد ان يكونوا أكثر تواضعًا وان يتعاملوا بمودة وانفتاح مع جيل الكتاب الجديد الذي اتجه نحو النشر الالكتروني مضربا عن المعارض وساخرا بالناشرين الذين يضعون القيود ويستنزفون جهود الكاتب .
o أخيرا ، هل من جديد تحضرين له ؟
لقد أنجزت مجموعة سردية تمتزج فيها القصة بالخاطرة الشعرية سميتها " عواصف النسيان " تروي سيرة ذات "فتاة" خلال مرحلة معينة .مزجت فيها بعض الوقائع بالفانتازيا وقد جاءت نتيجة بهدف مواجَهَةِ مَصاعبَ العيش مواجهَةً بَنَّاءة، وجهدٌ دؤوبٌ لوعيّ النوايَا السَيِّئَة والطيبة جميعها، وفهم مشاعر الكَراهِيِّة التي تَتلاشى على الحقيقةِ دُونَ جَهدٍ بِحُكمِ نضج الحكمةِ وَتَمَامِ التَّأمُلِ واكتمال المحبَّة.
****
مروة كريدية
تعد الكاتبة مروة كريدية واحدة من المهتمات بالقضايا الإنسانية و اللاعنف وحقوق الإنسان، حيث تطرح العلاقات الاجتماعية والسياسية من خلال رؤية وجودية تتجاوز الانقسامات الإثنية والدينية والجغرافية، وقد عملت في ميادين فكرية متنوعة، ولها العديد من الأعمال الأدبية و الفنية التشكيلية والخواطر الشعرية والأبحاث الميدانية في علم الاجتماع السياسي. شاركت في أعمال حوار الأديانواللاهوت المقارن، كما نشطت في ميدان الإعلام الثقافي .
تفرغت مؤخرا لدراسة ظواهر العنف في المجتمعات الإنسانية والبنى الفكرية المؤسسة لها وعلاقة ذلك بالحقوق والمدنية وعلاقتها ببنية الأنظمة السياسية والأيديولوجيات ، وهي تتبنى رؤية تتمحور حول كونية الإنسان ووحدة الوجود مما ينعكس في سلوك لاعنفي وانتماء كوني يحترم البيئة وكل الكائنات ويحافظ عليها .
من اصداراتها :
o استراتيجيات الأمل في عصر العنف، في القضايا المؤسسة للعنف واستراتجيات تفكيك مملكة الإرهاب في الفكر الإنساني ، 2011
o أفكارمتمردة، في القضايا الفكرية وعلم الاجتماع السياسي ، 2008
o فكر على ورق، في الفكر والنقد ، 2009.
o مدائن الغربة، في الفنون التشكيلية ،2009.
o لوامع من بقايا الذاكرة ، ديوان شعري ، 2010.
o معابر الروح ، ديوان شعري ، 2008
o عواصف النسيان ، قصص ونصوص ، 2012 ( تحت الطبع)
****
منأبحاثها :
o الخطاب الإيديولوجي والسياسي عند حركات الإسلامالنضالي.
o حوارالحضارات بين العقلية الدوغمائية والعقلية التواصلية.
o الاستشراقوالجغرافية العربية.
o سلطة الايديولوجية في السياسةاللبنانية .
o قراءة في الوحدة المنهجية الفكرية عند الأحناف.
o التعددية الثقافية بينمستويات الواقع والوحدة الوجودية.
o حوارالحضارات وعملية فهم التاريخ.
o الهوية وتوق التمسكبالجذور.
o المواطنية في مجتمع متعدد .
o الأنا والآخر ، مناقشة طرحفلسفي لمفهوم الذات و الغير.
o أصيل ودخيل: مقاربة نقديةلمفهوم الأصالة و المعاصرة و أطروحات ما بعد العولمة.
o اللاهوت السياسي في الشرق الأوسط، مقاربة نقديةلعلاقة الديني بالسياسي.
o كلمة إنسانية في حضرة كونية ، مبحث فلسفي حول وحدة الوجود.
o مفهوم الانوثة في فكر ابن عربي .
مواقعها على الانترنت :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق