الاثنين، 25 فبراير 2013

Sereif Camp Darfur - by : Marwa Kreidieh

حليمة يعقوب - مروة كريدية 


عائشة آدم حسن


حليمة يعقوب












معسكر سريف للنازحيين في دارفور
الحق الانساني المفقود وحق العودة الموعود
  مروة كريدية - مخيم سريف – جنوب  دارفور
يعتصر قلب المرء حزنًا وأسى لعمق المعاناة الإنسانية التي يشاهدها خلال اقامته في دارفور ، فهي كلها منطقة إن صحّ التعبير منكوبة ، تكاد تنعدم فيها الطرق المعبدة ومقومات العيش الكريم ،أما حال معسكرات النازحين فيُعد وصمة عار وسؤال إنساني  رسم الاجابة عنه متروك لكل إنسان لاسيما المسؤولين منهم ، فالأطفال نصف عراة ، يتهافتون على الغرباء مطالبين بالمياه المعدنية الباردة ، بعضهم تظهر عليه علامات سوء التغذية والاهمال الشديد، إصابات الاطفال من جراء عنف اللعب لا يلقى أحد لها بالا فالجروح غير مضمدة وعرضة للحشرات والجراثيم، والنظافة الشخصية معدومة ، المكان بأسره عرضة لانتشار الأوبئة والأمراض علاوة على التلوث البيئي القاتل .



توجهنا الى معسكر "سريف " للنازحين الذي يقع على  مسافة  17 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من مدينة نيالا، ويعتبر أفضل حالا مقارنة مع 12 معسكراً رئيسياً فيالمنطقة،  وبحسب المصادر الاعلامية فإن سبب ذلك يعود الى  الضجة التي أثيرت حوله  في الاعوام السابقة عندما قررت السلطات نقله من منطقة الجير القريبة من المدينة إلى موقعه الحالي ..
وعندما سألنا أحد المعنيين بشؤون المعسكر عن الأوضاع السياسية أفادنا أنه : لقد اكتسب المخيم شهرة منذ ان تمّ الاعلان عن الاتفاق بين الحكومة وفصيل مني أركوي مناوي منذ أعوام حيث تحول المعسكر  إلى ساحة للنقاش السياسيالمحتدم "



لدى وصولنا المعسكر، انحنى إليّ زميلي الذي زار المكان قبل أربع سنوات وقام بتغطية الأحداث عند بداية اندلاعها قائلا : "هذا المخيم الآن خمسة نجوم ! هذا الذي تعتبرينه كارثة يعد جنّة على ما كان عليه في السابق ! لا يمكن ان تتخيلي كيف كان الوضع آنذاك فكل شيئ معدوم حتى مياه الشرب وقد اضطررنا الى النوم في العراء والسحالي ترافقنا مدة عشرة ايام الى ان لجأنا الى الامم المتحدة أخيرا فاحمدي الله على وضعك الان  !"

التقينا بداية الامر بأحد مسؤولي الأمن ويدعى أحمد محمد إبراهيم، الذي أفادنا بأن المعسكر يشتمل على حوالي 13 ألف وخمسمائة نفر وهو ما يعادل حوالي ألفي وخمسمائة أسرة تقريبا وأن سكان المخيم ينحدر أغلبهم من قومية " الفور" ، واشار مرافقنا الى أن المملكة العربية السعودية هي التي تكفّلت بإنشاء هذا المخيم منذ أربعة أعوام، فيما يقوم برنامج الغذاء العالمي بإدارة شؤونه من الناحية الإنسانية .

   
مواقف إنسانية محزنة :

بداية لقاءاتي كانت مع الأطفال الذين تعاطوا معي أول  الامر كأجنبية، فجلست ارضًا وكلمتهم بالعربية شارحة لهم بأني مثلهم انتمي لبلد عربي مجاور، واني ارغب باللعب معهم وحتى الغناء ، كنت أراقب كل اهتماماتهم انظر بعيونهم، سألتهم عن المياه فتذمروا قائلين هناك بئر نعبأ منه المياه في اوعية ونجرها الى البيت وهي مهمة شاقة يجبرنا اهلنا عليها، وعن طبيعة طعامهم اجمعوا على انهم يتناولون العصيدة والخبز كل يوم، أما عن المدرسة فضحكوا ولم ألق اي تعليق ، وأفادوا بأنهم يعيشون هنا لانه هناك حرب، ويلعبون مع الحيوانات والزواحف والحشرات فهي لا تخيفهم او تزعجهم ، وانتهى اللقاء بإنشادهم لأغنية شعبية :"أنا سوداني.. "

وتبين لي من خلال التقاء العديد من النازحين ان معظمهم ينتمي الى بلدة ياسين وغالبيتهم من  "البرقد" وهي القبائل الافريقية الزنجية، وقصصهم تتشابه الى حدٍّ بعيد ، فجميع من قابلتهم أشار الى أن الجانجوييد هم السبب في معاناتهم وهم الذين أخرجوهم من بيوتهم وهجّروهم من قراهم كما قاموا بحرق محاصيلهم الزراعية .

  
عائشة آدم حسن أرملة في عقدها الرابع أستقبلتني في "مطبخها" داعيتني لتناول ماتيسر مما يسمونه بالعصيدة ، قالت بأن زوجها قُتل بالحرب الاهلية على يد الميليشيلت المسلحة وتضيف : " قام الجنجاوييد بطردنا وأحرقونا بالنار… لقد مات زوجي "
عائشة لديها 6 اولاد صبيان توفي منهم ثلاث، و هي تنتمي بالأصل الى بلدة ياسين وتشير بالقول "سمية قبيلتي برقد " .

 وفي خيمة ملاصقة وجدت امرأة عجوز تحتضن طفلا رضيعًا، تفترش الارض ومن حولها عدة نساء،  قالت بأنه وليد ابنتها وتدعى حليمة يعقوب آدم لها من العمر65 سنة، تحدثت عن عملها السابق قبل النزوح حيث كانت تعمل في الزراعة وتضيف : "كنا مرتاحين جدا وأوضاعنا بخير" ، وعن تمنياتها المستقبلية أفادتنا بأنها مسلمة وترغب في ان تؤدي فريضة الحج قبل موتها ، علما ان السفر  أمرٌ مستحيل بالنسبة لها فهي لا تعرف من السودان كلّها الا المعسكر وقبله بلدتها ياسين، وتضيف "جدودنا مشوا الحجاز وحجوا لانهم كانوا بأمان وعندهم الجنيهات أما نحن فلا نقدر على مغادرة المعسكر ولا نملك شيئًا "

اقتربت من امرأة حامل في شهرها الثامن أسألها عن حالها وعن الرعاية الطبية الخاصة بالحوامل في المخيم ، المرأة تدعى أمينة أحمد وعمرها 24 سنة وهي حامل بطفلها الثالث حيث قالت : "الداية هي من تقوم باجراء الولادة الآن ، في حين انه في بعض الظروف السابقة كانت المرأة تتولى ذلك بنفسها بمساعدت قريباتها ، وهو امر صعب مضيفة انه في حال عسر الولادة فإن المرأة تتعرض وجنينها للموت !" وعندما سألتهاعن معدلات الولادة وعدد الاطفال في الأسر قالت: " المرأة تنجب احيانا  سبعة  وربما عشرة اطفال " نافية اي معرفة لها او علم بوسائل منع الحمل وكيفية استعمالها، مضيفة انه من "الافضل ان تبتعد الحرمة عن زوجها كليًّا اذا احست بان الولادة متعبة " 
سجال سياسيّ:

 قرابة العصر تخليت عن مرافقيّ أجمعين،  وقررت التجول بمفردي ففي الطرف الشمالي منالمخيم يتجمع عصر كل يوم الشيوخ والشباب لإدارة حوارعفوي ودردشة حولما يجري لهم وحولهم، وعادة ما يثيرون قضايا الخدمات التي تقدم لهم والقضايا المتصلةبمرحلة ما بعد الحرب، وموضوع التعويضات ويتشعب الحديث ليصل إلى توجيه الانتقاداتللحكومة وللأحزاب السياسية.

اقتحمت حلقة رجال بابتسامة معرفّة بنفسي وجلست معهم، فإذا بي في حوار سياسي رفيع، يعكس وجهة نظر من يعيش الحدث ، كبيرهم  رفض ان أصوّره كما رفض الإدلاء بإسمه، فهو رجل معارض وثائر على الأوضاع ، كما يُصنِّف نفسه من المثقفين، وأشار لي بأنهم كنازحين يرون أن حقوقهم مهضومة، وأن الحكومة غير منصفة ولا عادلة ، وأن من حقهم المطالبة  بالتعويض عن ما لحق بهم من الأذى" ، وعندما  ناقشته بموضوع العودة وان المناطق آمنة كما تشير المصادر الرسمية قال:" لا نستطيع الخروج من المعسكر فالطرقات مازالت تقطع ولا يوجد أمن على الاطلاق وبإمكانك التحقق من ذلك ، والأحزاب السياسية كلها باعت قضية دارفور "

يعلق أحد الشباب الجالسين ويدعى محمد أحمد : " إن من فقدالأرض فقد العرض وفقد حاله، ولكي يعيدها لابد له من مقاومة  الظلم والاجحاف  .. ويضيف  نحن ظلمنا عندما هُجرنا منأرضنا ولن نقبل بأن نظلم مرات متكررة  .. " أحمد يرى أن الحكومة بكل أحزابها وأحزاب المعارضة وحتى من يحملون السلاح .. كلهم سواء "

أما أحد الشيوخ  فله وجهة نظر مغايرة فعلق بالقول"  إن المعاناة الراهنة هي بسبب الحرب ولابد من أن تتوقف كليا ويعم الامن تماما، وانه من الحكمة ومن الأفضل لعشيرته أن ترتبنفسها للمرحلة المقبلة بدلا من توجيه الانتقادات للحكومة ولغيرها، الافضل ان نتعاون مع الحكومة وهو أمر واقع "

قاطعه آخر ليقول:  "كل الأحزاب السياسية السودانية  مسؤولة عن أزمةدارفور، فهى تستخدمنا لتحقيق أغراضها فقط ..  لا يوجد احد مكترث للحاصل والأزمة أظهرت  ان الكثير من أهل السودان غير مهتمين كثيراً بما يجري ، فمع من نتعاون ؟"
لعل ما يحدث من سجالات سياسية داخل معسكر سريف يجري في كلالمعسكرات التي تنتشر في إقليم دارفور، فالظروف المعيشية والحروب ووجود فئة كبيرة من الناس في معسكر نازحين دون عمل ، جعلتهم يمضون جل وقتهم في السجالات السياسية والتحدث في اوضاعهم، الأمر الذي ينذر ببروز كيانات سياسية جديدة وولاءات مغايرة للاحزاب الموجودة ربما .. ولعل  هذا ما يفسر عدم جرأةممثلي الأحزاب التي تشكل وجودا في دارفور في مخاطبة من يقطنون المعسكرات والذي ضمنت لهم حماية الامم المتحدة شيئًا من حرية التعبير.
مسجد وتلاوة وسبحة  :
أمام خيمة قش جلس شابٌّ يعلم الاطفال تلاوة القرآن ، المصاحف في يد الأطفال مهترئة وبعضها ممزق، النسخ متباينة بعضها طبع في المشرق والآخر  في المغرب وبعضها بخط نَسخي يُصعب قراءته ، ولفت نظري وجود نسخ قديمة حيث وجدت مصحف طبع في بولاق عام 1942 ؛ الأطفال كلّهم ذكور وكأن الامر لا يعني البنات ، إنه مسجد ابو بكر الصديق ، تتوسط باحته العصا تحمل مثلثًا ، وهي تُستخدم لتحديد مواعيد الصلاة من خلال ظلّ العصا وانعكاس نور الشمس ،حيث لا يوجد ساعة على ما يبدو .

قبل انصرافي لاحظت وجود سبحة ذو ترتيب غريب في يد أحدهم وهي بحسب معلوماتي تشير الى احد الطرق الصوفية فسألته أنتم "تيجانية ؟" نظر اليّ بغرابة، قائلا :" نعم كلنا في المعسكر ننتمي الى طريقة سيدي أحمد التيجاني " فجلست أقرأ معهم "جوهرة الكمال"، وهي صيغة في الصلاة على النبي.. والغريب ان الاطفال يتقنون تلاوتها برغم من صعوبة مفرداتها وبلاغة معانيها !وعلما انهم يجهلون أبسط المعلومات العلمية البسيطة!
انها من المفارقات وغرائب البشر، غياب العلم الاكاديمي و حضور اللاهوتي!! فلماذا يحضر الديني فقط عندما يغيب الانسان؟!





 

 
120783


120783
مروة كريدية
 

للاطلاع ايضا على مواضيع متعلقة للكاتبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق