الأحد، 17 فبراير 2013

الكمون السياسي و فرص السلام


الكمون السياسي و فرص السلام
مروة كريدية

 لاشكّ في أنّ العالم يدور في فلك الترقبّ والانتظار إثر الأزمة المالية العالمية من جهة، و تغيرات المحاور القطبية و استراتيجياتها في السياسة الدولية من جهة أخرى، علاوة على تبدّل الإدارة الأميركية وتغيُّرها مع ما يحمل ذلك من انعكاسات على سياساتها الخارجية. كلّ ذلك ساهم في إدخال منطقة الشرق الأوسط ولاسيما الدولة العربية  في مرحلة من  الكمون السياسي.وفيما نجد أن بعض الدول قد بدأت تشهد حراكًا دبلوماسيًّا خارجيًّا، نرى ان الدول العربية المحورية تلتزم ثلاجة المواقف تجاه كبرى القضايا الشائكة والتي تُعدّ الأعقد في منطقة الشرق الأوسط . 

ولعل هذا الوقت هو مرحلة التحرّك الذهبي نحو احلال السلام، فالعرب اليوم أمام  فرصة تاريخية حقيقية لتحقيق أفضل الممارسات والشروط  من اجل تحسين علاقاتهم الدولية وحلّ النزاعات المستحكمة في منطقتهم بدءا من فلسطين مرورا بالعراق وصولا الى السودان، وفرض الارادة السلمية وتحقيق السلام ومصلحته في اطار بناء علاقات على المستوى الدولي ، تختلف بنيويًّا عن تلك القائمة على مبدأ القوة .فالدول العربية اليوم مُطالبة بِكَشف وتحديد انتظامات علاقاتها التي تحكم سياساتها الخارجية بشكل مغاير لتفاعلات القوى التي سادت سابقًا .وإن كانت العلاقات الدولية مبنية من مجموعة من القوى المتدرّجة نسبيًّا والمتفاعلة فيما بينها من حيث التأثيرات وردود الأفعال، فإن الحالة الدولية الحاضرة مساعدة بشكلٍ  يهيئ الظروف لاعادة اتزان وانتظام العلاقات في ظل الهدوء النسبي ، وعلى نحو يحول دون السيطرة الاستغلالية وقيام امبراطورية عالمية جديدة .

 السلام والسياسات الرافضة :بطبيعة الحال فإن الوقت الملائم لاحلال السلام وهو الخيار الذي مازال يقابل برفض اسلاموي  عارم، في ظل سكوت انظمة تخشى على دوام استمراريتها في المحافل الدولية ، علاوة على رفضاسرائيلي كون الدولة العبرية ستتضرر من سلام فعلي حيث ستجد نفسها أمام التزامات أخلاقية وسياسية أمام المجتمع الدولي… فلماذا تُلزم نفسها بالسلام  طالما  أنها تحقق اهدافها العسكرية والسياسية دون ان تُدان…ودون أدنى التزام ؟ 

 ويتسائل المرء عن سر هذه السياسة الرافضة التي هي وليدة مجتمعات شهدت فجوات تاريخية وهزات عنيفة فالذات العربية تشهد انفصاما وتعيش مستويين متباينين في وقتٍ واحد، وهما حالة رافضة للواقع المُعاش و حالة مُتوقَّعة مثالية .وهذه الحالة ليست عربية وحسب بلو اسرائيلية ايضًا ففي الوقت الذي يطمح فيه الاسرائيلي بدولة هانئة متطورة مثالية يكون فيها شعبا متفوقًا على غرار الدول الاسكندنافية فإنه يصطدم بأداء حكومته المترهلة والأمن المفقود. المشكل يكمن إذن في أن الذوات تعيش الماضي بعمق تحت شعارات تراثية وتحت ذريعة الاصالة وتحت ذرائع قرآنية وتلمودية و وتوراتية ، لذلك فهي لا تنظر إلى المستقبل الا بالقدر الذي تتيحه الذات الماضويّة ،فشعوب المنطقة بما فيهم المثقفين والنخب احترفوا الرفض في ظلّ استهواء الانسحاب من مواجهة التحديات المستقبلية .و بين متاريس الطائفية والحالات القبلية وبين اندلس العرب المُتخيلة وأرض الميعاد الموعودة ، وبين كنتم خير أمّة أُخرجت للناس و شعب الله المختار تطورت الأزمات بحيث أصبح السلام سرابا في ظل السياسات الدولية النفعية وانهدار الكرامة الانسانية والحصارات الخانقة لانسان لا ذنب له سوى انه وُلِدَ هناك ! 

وفيما تعتبر اسرائيل نزاعاتها حدودية و أمنية فإن العرب يعتبرونه نزاع مشروعية ، فالمجتمع الدولي يتعامل مع اسرائيل بوصفها دولة قائمة ولها مشروعيتها ، غير ان ذلك لا يعني الاقرار بمشروعيتها اللاهوتية وتفوقها الحضاري بحال من الأحوال .اليوم، ومع تراجع القطبية العالمية الواحدة  فإن الامل معقود بالافساح لروح الانسان بالانعتاق من أسر العنف والاحقاد التاريخية وإطلاق النزعة الايجابية المُتمثِّلة بالأنسنة والسلام و الخروج من حضارة الصوت الرافض الى الفعل الحضاري  لان عملية الرفض السلبي واهدار فرص تحقيق العدالة والسلام في ظرف مناسبة من شأنه ان يخرج العرب  من دائرة النسق العالمي الجديد الذي يتم تشكيله وبلورته الآن ،  والعرب اليوم مطالبون بأن يكونوا شركاء في القرارات الدولية؛ وآن لهم أن يكون لهم دور في السلام لا ان يكونوا هم موضوع السلام وخزّان المغانم الاقتصادية .ولماذا لا يتفاهمون جديًّا مع أوروبا والصين وروسيا وأميركا تفاهمًا صريحًا لا خجل فيه ولا خوف ، طالما ان الازمة المالية العالمية فتحت فرصة غير مسبوقة لاجتراح الحلول لا سيما أمام الدول النفطية التي أمامها العديد من الفرص والمبادرات الاقتصادية التي من شأنها ان تؤثر على القرارات السياسية في المحافل الدولية والاحلاف الاقليمية .أملنا ان تنشط الديبلوماسية العربية من اجل السلام ومن اجل حل يتجاوز الدور المنوم الى دور عملاني تنفيذي يحمل حلولا لا رفضًا …
اتساءل : اليس من الأجدى ان يقبل العرب بإسرائيل كدولة وان يلتزم الجميع بالشرعية الدولية، لا لأجل العجز عن سلوك الحرب بل لأجل الحفاظ على الانسان، والبقاء ضمن الأخلاقيات والقيم الانسانية بحيث يتم حفظ البيئة الداخلية للنسق الانساني من خلال التأكيد على المشتركات ، بدلا من ترك الحجّة لاسرائيل في ممارسة شتى انواع الابادة تحت ذريعة حماية امنها !ولماذا لا يستغل العرب اليوم فرصتهم في المشاركة بالنظام الدولي وتحقيق ارادتهم ؟
ولكن الخوف كل الخوف ان تذهب أموال العرب في دعم الدول المنهارة دون تحقيق أدنى مكسب سياسي ، لا سيما فيما يتعلق بالجرح الانساني النازف في فلسطين !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق