الخميس، 14 فبراير 2013

غليون السلام يروي أساطير الهنود الحمر




تراث القبائل الأميركية يروي قصة حضارة سادت ثم بادت
 
غليون السلام يروي أساطير الهنود الحمر 
مروة كريدية من نيويورك - دبي الثقافية
مع نسمات المساء تتراقص فتيلة الدخان لتعانق أوراق الشجر فيما يتحلّق أفراد قبائل  أميركا الأصليون "الهنود الحمر"[i] حول أمرائهم  ليستمعوا الى أساطير حكمائهم الأولين .كانت تعيش في شمال القارة الأميركية قبائل "هندية" متعددة تتنوع طُرق معاشها بتعدد الظروف الجغرافية والمناخية التي تحيط بها، بينما كانت تشكل البراري مصدر غذاء أبنائها الرئيس فهم يتناغمون معها ومع الحيوانات البرية وكائناتها من قطعان البيسون[ii]  إلى خشب الدردار المقدس .ويشكل التراث الشفوي للقصص المأثورة عنهم  احد أهم المحاور البحثية للوقوف على حضارة أمة سادت قرونًا ثم أفلت وخبت نيران قبائلها الأصليين الذين ناضلوا بكافة الوسائل المتاحة مستلهمين مقدساتهم ومعتقداتهم وكافة خبراتهم الروحية من أجل البقاء .وبعد أعوام تبعث نيران " الهنود الحمر"  مجددا عبر إحياء أحفادهم للأساطير في احتفاليات تراثية تنظمها المتاحف العامة في الولايات المتحدة الأميركية، وفاءًا لهذه  الخبرات والأفكار الأصيلة لهذه القبائل التي تكتنز ثقافة لا يستهان بها   وفنونًا راقية تعكس ذوقًا إنسانيًا رفيعًا يتمثل في تشكيل الألوان وتزين الملابس والمقتنيات كما تجسد حسًّا نبيلا في التعاطي مع الآلهة عبر الميتولوجية المتخيلة والتكييف مع عناصر الطبيعة وفصول الحياة .



النيران تغني  للصداقةنيران القبائل الهندية لا تنطفئ ولا تأكل إلا الخشب اليابس التي تتبرع بها الأشجار برضى ومحبة كما تروي الحكايات، ويرعى دوام اتقادها  السنجاب Squirrel وهو حيوان واسع الانتشار في القارة الاميركية وصديق القبائل الذين  يتغنون بلهيبها البرتقالي والأحمر الذي ينشد دوما :" لمّاعة بصفائها تشبّ النيرانوحولها نتحلق ، كي نستمع بوقارٍإلى غناء أوراق الشجر باستمرارعن الدفء الأزليعن صداقة النار ."
[iii]وتروي أسطورة النار ان شجرة الجميز استهزئت بالعاصفة أثناء هبوبها وظلت تغني؛ فغضب منها الرعد وارسل الصاعقة اليها، فانتقل الغناء من قلب الجميزة المصعوقة الى الشاطئ فيما تصاعد الدخان الى عنان السماء الذي جذب الحيوانات والطيور إليها متسائلين عن صداقتها، فانبرى العنكبوت ليجرِّب وفاءها معلنا للحيوانات بأنها تمنُّ عليهم بالدفء لمواجهة الصقيع لذلك يتوجب عليهم إطعامها كي لا تخبو حرارتها .ويليم . س  William. S أميركي تبدو عليه الملامح الهندية البرونزية ولا زال يتمسك بتراث أجداده، فيجدل شعره الأسود الناعم الطويل و يطلّ بعينين بنيتين ثاقبتين الى ماض لا يراه بعيدًا وحول أصل الهنود في الميتولوجية يقول :" هناك أسطورة شهيرة تشير بأن الهنود كانوا يعيشون فوق الغيوم غير آبهين بما يجري في العالم الدنيوي، غير انهم لم يقنعوا بالعيش الهانئ، واصبحوا يتسائلون عن عمل الشمس وأرادوا ان ينصبوا لها شركا كي يقوموا باصطيادها، فغضبت الشمس منهم وانهار الشَرك (الحبل) الذين بقوا متعلقين به شيبا وشبانا فوعدهم كبير المحاربين ببلاد تحمل اسمهم من اجمل بقاع الأرض، وقال لهم :" اني أرى من أمامي أحلى بقاع الأرض، فانطلقوا وانصبوا خيمكم وأشعلوا النيران وعاملوا بعضكم بعضا بود، وكذلك سائر المخلوقات معاملة الأشقاء …. وسيصيبكم الويل ان تركتم النار تخمد ، فعندها سيتمكن الجبناء ان يخدعوكم " تروي أسطورة ميلاد الخيول الهندية أن طفلا يتيما ضعيفًا ظل قابعًا في خيمته وحيدا حين التحق اهل القرية جميعا بقطعان البيسون ليتزودوا بلحمها وجلدها ، فحزن وصنع لنفسه دابّة من الطين لم يرها أحد من قبل وصمم منها شكلين ، وخلد الى النوم فرآى في منامه ان عظيم القبائل "تيراو" يأمره باستعمالهما  وحصلت المعجزة بأن دبت الحياة فيهما  فامتتطى أحد الحصانين  والتحق  بأهل قريته الذين ذُهِلوا للقائه ، وأصبح الفتى خيّالا بارعا وخلفا للزعيم العجوز .  وقد ارتبطت حضارة الهنود بالخيول والأحصنة  حيث كانت تعكس صورة المحاربين الرائعة عمق هذه العلاقة، وشكلت نقطة تحول حاسمة في تطور هذه الشعوب من الطور البدائي للمجموعات البشرية إلى الطور القبلي القائم على الارتحال حيث ساهمت الخيول في سرعة التنقل وتوسيع نطاق الصيد والبحث عن أماكن الإقامة الأكثر دفئًا وأمنًا .ومطلع القرن السابع عشر ومع قدوم الغزاة الأوروبيين اكتسبت قطعان الأحصنة بُعدًا دفاعيّا وأصبحت أداة لا يمكن الاستغناء عنها يعتني بها المحاربون للدفاع عن وجودية القبائل وأصبحت الخيول العدة الأساسية للحروب لصد الهجمات والحليف الأمثل لهم في  أوقات السلم والهدنة والحرب على حد سواء .وقد شكل هذا التطور لحظة حاسمة تطورت من خلالها تكتيكات الحرب وتحولت عن الأساليب التقليدية نحو تكتيكات واستراتيجيات دفاعية وهجومية أكثر تعقيدا كما انعكس الأمر في الأدوات الحربية المستخدمة ونوعية الأسلحة. 
"القلموت السحري"  غليون السلام يروي أسرار الوجودتُروى القصص الهندية على لسان "القلموت " أو ما يعرف بغليون السلام وهو الذي يحتل دورا بارزا في طقوسهم الروحية، كونه يحتل دور الشفيع في المصالحات بين الخصوم، كما يتم تدخينه للتعبير عن الشكر للارواح الطيبة.ويقودنا البحث في الأدوات التي كان يستخدمها الهنود الى أفق رائع باذخ الجمال ينعكس عبر التشكيلات التراثية والحرف في حياة القبائل وهو ما يُعرف ب" الباليو – الهندي " Paleo-Indian و يشير إلى عمق البعد الفني الذي يتجلى من خلال الاعتناء بتزيين الأحصنة بالأقنعة الملونة والأدوات علاوة على الرسوم والأشغال اليدوية كالتطريز واستعمال الخرز الملون والنقش على الجلود وفن الحفر على الخشب الذي جسد الكثير من حياة القبائل وكان له الأثر الكبير في توثيقها .كريستين د. س . Kristin .S   فنانة تشكيلية تعتني بالفنون التراثية والحرف في حياة القبائل الهندية ، تشير إلى أن كثير من الأدوات المستعملة في الحياة اليومية مصممة بشكل يدوي بالغ الاتقان والجمال، كما ان لبعض الادوات رمزية روحية وأهمها "القلموت" Calumet   وهو عبارة أداة للتدخين تشبه الغليونPipe او المدواخ استعملها الهنود لتدخين التبغ ويختلف شكله وطوله من قبيلة لأخرى ويُصنع من خشب الدارار المقدّس Elm   وغالبًا ما يُزين بريش النسور التي يصطادونها أما رأسه فيصنع من حجر أحمر اللون .وتنتهي آخرالأساطير الهندية بتحوّل القلموت المقدس إلى رماد إثر إفشائه بالسر المقدس الذي يُحمّل  الاجيال القادمة من القبائل الهندية مسؤولية البحث عن بلاد تتحد فيها المروج بالجبال خالية من الغزاة البيض "شاحبي الوجوه " يعيشون فيها بسلام وسعادة . 
كبير الأرواح يبارز شاحبي الوجوه في مانهاتنشهدت مدينة نيويورك هجرات متتالية للقبائل الهندية حيث كان موقعها الجغرافي يشكل نقطة التقاء للقبائل القادمة من الشمال مع تلك القادمة من الجنوب ويصف ريتشارد واست   W. Richard West  المدير المؤسس للمتحف الوطني هذه الهجرة بأنها كانت من أجل التماس الثروة حيث كانت تشكل المكان العريق للتبادل التجاري بين الهنود علاوة على كونها مركزًا فكريًّا للتفاعل الثقافات الأصلية للشعوب ، ويأتي دور المتحف الوطني الحالي للهنود الأميركيين مكملا لهذا التفاعل والتبادل الحضاري بين الشعوب. إيريكا ماتيو IRKA Mateo  باحثة في الانتربولوجية للشعوب الأصلية في الأميركيتين تعمل لاحياء هذا التراث بجهد دؤوب من خلال المتحف الوطني القابع في  قلب مانهاتن النابض بالحياة المدنية الصاخبة المزدحمة بالأبراج الإسمنتية  مقابل ميناء نيويورك  الذي شهد صراعات الأوروبيين الدامية على القارة العذراء أواسط الألفية الثانية حيث  اشارت الى أن حضارة الهنود الاميركيين  سادت قرونا طويلة ببساطتها وخبرتها الروحية المستلهمة من عناصر  الطبيعة  كالهواء والماء والنار والتراب بعيدا عن الأديان السماوية ، وبمعزل عن القارات التي شكلت قلب العالم القديم وكانت بؤرة نزاعات حيث شكل المحيط الأطلنطي برزخًا طبيعيًا  أطلق عليه القدماء بحر الظلمات لصعوبة عبوره بوصفه أخدود مائي عملاق يفصل أوروبا وأفريقيا عن القارة الأميركية.وتسعى المتاحف اليوم الى استضافة حوارات وعروض الأفلام الوثائقية التي توثق جهود سكان اميركا الأصليين لاسترداد مدنهم المقدسة والكفاح المرير الذي عانوه جراء احتلال الغزاة لأرضهم وتعرضهم للقصف حيث كانوا يناضلون ويدافعون عن بلادهم بمعتقداتهم المتمثلة بالرقص والخطابة ويحييون أسطورة مبارزة كبير الأرواح " مانيتو" للبيض شاحبي الوجوه . 


[i] الهنود الحمر اسم سكان أميركا الأصليين وقد أطلقه عليهم الأوروبيون الغزاة منذ اكتشاف كولمبوس للعالم الجديد، و لا علاقة للاسم الذي أطلق عليهم بالقارة الهندية ، لذلك فإن الاسم الرسمي المتداول لهم في المسوعات العلمية هو : الأمريكون القدماء أو الأمريكان الأصليون  Native Americans ، وقد استعملت المصطلح الشائع بين مزدوجين .[ii]  البيسون Bison حيوان ثدي من فصيلة الأبقار والجواميس  له سنام بين كتفيه وقرنين في رأسه ويعيش ضمن قطعان في  شمال القارة الأميركية . ويسمى ايضا البافالو buffalo.[iii]"American Indian tales and legends." By :  Vladimír Hulpach,Publisher: Hamlyn, 1965.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق