السبت، 30 مارس 2013

سنترال بارك ملهمة المبدعين تحتضن أيقونة فرعونية


 
Marwa kreidieh - Newyork

سنترال بارك ملهمة المبدعين تحتضن أيقونة فرعونية

 
مروة كريدية من نيويورك
دبي الثقافية عدد 87 - أغسطس 2012

 
من قلب مانهاتن النابض بالحياة المدنية الصاخبة المزدحمة بالأبراج والأبنية الحديثة، تقبع واحدة من أروع الحدائق العامة في نيويورك محتضنة إرثًا حضاريا متنوعا، حيث تشكل مختبرا لتجربة الثقافات من خلال تنوع مرافقها وبرامجها الفنية والثقافية، فيستلهم فيها الشعراء قصائدهم و تتناغم فيها المعازف الموسيقية لروائع الفن الكلاسيكي، كما يجد فيها القارئ المتعة والسكينة، فيعبر الزائر إلى عوالم ساحرة في بيئة برية خلابة.
وتشكل حديقة سنترال بارك نقطة جذب سياحي ومتنفس حيوي ورئة طبيعية لجسم المدينة الإسمنتي حيث تمتد المساحات المائية والحدائق على مساحة 843 فدانا اي ما يقارب  3,4 كم², وتحتضن حوالي  24 مليون زائر في العام الواحد كما تستقطب الاحتفاليات الكبرى كاستضافة القداس البابوي في عام 1995.
هي أول حديقة عامة خضراء في الولايات المتحدة وقد صممها فريديريك أولمستيد Frederick Law Olmsted والمهندس البريطاني كالفرت فو Calvert Vaux عام 1857 وتم افتتاحها عام 1876. وتعد من أكثر الحدائق العامة  تنوعا وتكمن أهميتها في البعد الثقافي والحضاري العريق فتشتمل على مراكز ترفيهية مذهلة، بالإضافة إلى المرافق التعليمية حيث صممت الحدائق الداخلية والممرات والجسور الداخلية فيها وفق الهندسة المعمارية الكلاسيكية.
ففي الطرف الغربي الشمالي للمنتزه حيث الحصن التاريخي القديم الشاهد على حرب عام 1812  تطالعنا نصب الجنود الذين قضوا خلال ما يعرف بالثورة الأميركية عام 1783، كما تضم الحديقة العديد من التماثيل من أبرز الشخصيات منها تمثال بالتو و أليس والعجائب وتمثال يليام شكسبير.
وتنتشر في الحديقة اثنتين من أوسع حلبات التزلج على الجليد وبركة سباحة عامة ، وحقول مترامية للبيسبول ( كرة القاعدة) وملاعب للتنس .
لا يستطيع الزائر الا وان يستشعر الحياة البرية حيث تتناغم فيها الكائنات البرية بمجال يشبه المحمية الطبيعية على الرغم من انها ليست "حديقة حيوانات " بالمعنى الحصري إذ لا تشكل مساحتها سوى  6,5 فدان اي حوالي  0,77 ٪ من اجمالي مساحة المنتزه ، ومع ذلك فانها تحتوي على 130 نوع من الحيوانات البرية النادرة التي يبلغ عددها حوالي 1400 وتنتمي للبيئات المدارية والقطبية بمعظمها . 




 
مسلة  كليوبترا تروي اسطورة الفراعنة في مانهاتن  

تحتل مسلة كليوبترا الفرعونية إحدى الساحات في المنتزه، وتُعد من أقدم المعالم الأثرية في مدينة نيويورك ويبلغ وزنها 244 طن من الحجر الجرانيتي ويصل طولها إلى ٢١ متراً.
والمسلة شكل هندسي اعتمده الفراعنة وصاغوا عليه معتقداتهم  حيث تشير الأضلاع الأربعة الى أركان الدنيا الأربعة، وتتجة بشكلها الهرمى نحو السماء مكونة بذلك قمة المسلة، أما جسم المسلة فهو القائم الذى يحملة فى عنان السماء ليربط بينها وبين الأرض كرمز لايمانهم. وقد أطلق المصريون القدماء اسم (تحن) ومعناة "إصبع الشعاع المضئ" بينما أطلق عليها مؤرخو الاغريق اسم (Obelisk) اى الوتر.
حالة المسلة التي تجذب السياح للاطلاع عليها كانت مثار جدل بين الأمين العام لمجلس الأعلى للآثار في مصر زاهي حواس و السلطات الأميركية، حيث اعتبر حواس ان المسلة تتعرض لعوامل طبيعية أدت الى فقدان النصب لونه بسبب قلة العناية والاهتمام، كما وجه مطلع العام الماضي خطابًا الى عمدة نيويورك  مايكل بلومبرج  يشكو فيه من الحالة السيئة التى أصبحت عليها "الابرة الفرعونية"، وخاصة الكتابة الهيروغليفية المحفورة عليها. موضحا أن المسلة غير معتنى بها داخل الحديقة، ولا يراها أحد من الزوار كونها موجودة فى مكان مغطى بالأشجار مما يحجب عنها الرؤية. معتبرا انه في حال لم يتم ترميمها فإنه سيطالب الحكومة الاميركية بإعادتها لمصر لحفظها من التلف والضياع .
لكن مدير الفنون والآثار في الإدارة المسؤولة عن حدائق نيويورك، جوناثان كون نفى وجود أدلة ذات قيمة  تشير الى أن النصب العمودي يتعرض للتآكل.
و بالعودة الى المصادر التاريخية نجد ان الخديوي إسماعيل قد أبدى رغبته في اهدائها إلى  الولايات المتحدة الأمريكية عام 1869 عقب افتتاح قناة السويس بهدف تدعيم العلاقات التجارية المتبادلة، ثم قام ابنه الخديوي توفيق بمنحها رسميا بخطاب وقعه عام 1879 قيل انه جاء ضمن صفقة تقوم بموجبها الحكومة الأميركية بنقل التكنولوجيا الحديثة إلى مصر، وقد تم تفكيك المسلة وشحنها بباخرة خاصة عبر المتوسط ومن ثم عبر المحيط الأطلسي؛ وتفيد المصادر والوثائق ان الرحلة استغرقت ١١٢ يوماً  لنقلها من ضفة نهر هادسون نحو جزيرة ستاتون ومن ثم الى موقعها الحالي في سنترال بارك .
وهذه المسلة هي واحدة من ثلاث مسلات تعرف بمسلات كليوبترا أهديت جميعها للدول "العظمى"  خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر؛ واحدة منها تحتل وسط ساحة الكونكورد في العاصمة الفرنسية باريس مزينة بالكتابة الهيروغليفية وقد تم بناؤها في فترة حكم الفرعون رمسيس الثاني، وكانت تزين في الماضي مدخل معبد الأقصر حيث قدّمها والي مصر العثماني محمد علي هدية الى  فرنسا زمن الملك لويس فيليب الذي أمر بوضعها في مكانها الحالي.
وقد عثر على اثنين من المسلات الثلاث فى منطقة هليوبوليس الأثرية عاصمة مصر القديمة التي احتضنت  أقدم جامعة فى التاريخ، حيث تعلم فيها العديد من فلاسفة اليونان. وقد بنيت المسلتين فى الاحتفالات بالعيد الثلاثين للملك تحتمس الثالث فرعون مصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
وتشير المراجع الى ان مسلتي لندن ونيويورك تشتمل على نقوش باسم تحتموس الثالث، وعلامات أضيفت من قبل رمسيس الثاني في القرن 12 ق.م. وأثناء فترة حكم الرومان لمصر قاموا بنقل المسلتين في القرن العاشر قبل الميلاد من معبد رع في هيليوبليس إلى الاسكندرية لتزيين قصر هناك. ولا يعرف على وجه الدقة لماذا انتسب اسم المسلات إلى الملكة كليوباترا لكن يعتقد أن التسمية جاءت في العصر الروماني نتيجة لنشاط كليوبترا السياسي الواضح في ذلك العصر.
 


 
 
"المناطق الهادئة" محرمة على الموسيقيين :

 تغري سنترال بارك عازفي الموسيقى وتلهم المبدعين لا سيما الوترية منها حيث يعزفون روائع الألحان التعبيرية الراقية والكلاسيكية الخالدة بالقرب من رواق الأعمدة الفسيفسائية بمحاذاة بيتيسدا فاونتان التي احتضنت لأعوام طويلة عازفي موسيقى موزار والغوسبيل من جنسيات متعددة من بينهم مغن ياباني وعازف كمان اوكراني والمغني جون بويد.
بيد ان قرارا رسميا صدر اواسط الصيف الماضي فرض بموجبه ثماني "مناطق هادئة"، من بينها رواق الأعمدة حيث تم وسم هذه المناطق  بعلامات جديدة خضراء وبيضاء.
المسؤولة الاعلامية لسنترال بارك فيكي كارب اشارت الى ضرورة وجود مناطق ساكنة تمنع فيها النشاطات الصوتية معتبرة ان موسيقى الطبيعة الهادئ هي ملاذ الهاربين الاول من ضوضاء مدينة لا تعرف الهدوء كنيويورك، وان الزوار يأتون إلى الحديقة بحثا عن الاسترخاء والسكينة المتمثلة بزقزقة العصافير، وخرير المياه، وهمس الريح في اوراق الأشجار.
وقد حددت عدة اقسام هادئة في المنتزه ينبغي ان يمتنع فيها  الغناء والعزف  وتشمل منطقة بيتيسدا فاونتان، وحديقة شكسبير، وشيب مادو وستروبري فيلدز، التي تحتضن تمثال جون لينون مغني البيتلز المعروف. مؤكدة ان العروض الموسيقية في منطقة بيتيسدا فاونتان قد تستقطب حشودا تضم مئات الأشخاص مما يؤدي الى انسياب الصخب والضوضاء الى  ذا رامبل.
ومن ايقاع الطبيعة التي لا تمل ينسج زوار سنترال بارك ومرتاديها اليوميين من سكان منهاتن علاقتهم المتجددة المستلهمة من وحي البراري والتاريخ الثقافي فتتجسد في ايقاع معزوفاتهم او كلمات قصائدهم او موضوعات لوحات رساميهم او رومانسية عشاقهم او ذكريات شيوخهم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق