هاني نقشبندي يوقع كتابه لمروة كريدية |
حاورته : مروة كريديةكاتب إشكالي بكل ما في الكلمة من معنى يعالج المسكوت عنه في الفكر المجتمعي ، يملك حس ناقد وقلم روائي ، محاورٌ لبق وإعلاميّ معروف ، يكتنز في داخله خلاصة حضارات متنوعة عايشها فهو ولد في الرياض بالسعودية وعاش في لندن ويعشق المغرب العربي ويقيم في دبي، يطل علينا اليوم عبر رواية جديدة يبحر ابطالها من بلاد نجد الى الاندلس عبر رحلة طويلة في بلاد المغرب، رحلة مسكونة بالالغاز والاساطير والميثولوجية، إنه الكاتب والصحافي السعودي هاني نقشبندي، التقيناه وهدفنا الاول الكشف عما وراء الرواية، كونها طرحت اشكاليات الهوية الحضارية مجددا ودخلت في اللامفكر فيه في الفكر العربي!
“سلام” و إشكاليّة صياغة التاريخ :·
نبارك لك إصدارك الجديد هاني، بداية رواية سلاّم (بتشديد اللام) جديرة بأن يتوقف المثقف العربي عندها طويلا ليعيد قراءة التاريخ بعيون أخرى، ولكن لماذا اخترت الأندلس كمسرح للرواية ولماذا قصر الحمراء؟؟
الأندلس تكاد تكون المنطقة الجغرافية الوحيدة في التاريخ الاسلامي التي تواجد فيها العرب كقومية والاسلام كدين ثم خرج كلاهما. دخل الفاتحون العرب مناطق كثيرة مبشرين بالاسلام. بعد مرور سنوات طغت ثقافة البلاد الاصلية على الثقافة العربية, وان ظلت متأثرة بها, لكن بقي الاسلام كرسالة. ترين ذلك في آسيا وحتى بعض دول اوروبا. لكن الاندلس لم يبق فيها لا هذا ولا ذاك. وكون الاسلام انتهى هناك, فمعنى هذا ان المسلمين, العرب منهم والبربر, لم يقوموا طوال تسعة قرون قضوها في الاندلس بنشر رسالتهم الدينية. بمعنى انهم فقدوا المبرر الاخلاقي لوجودهم هناك, وهو نشر الرسالة. وبالتالي استحالوا من فاتحين الى محتلين.هم لم يفشلوا في نشر الرسالة, هم لا يعملوا على نشرها في الاساس. لأن التواجد العربي والبربري في الاندلس كان استيطانا لقبائل عربية وبربرية تبحث عن ارض جديدة خصبة اكثر منه فتحا لنشر رسالة.ونتيجة لهذا, وبدلا من ان تصبح الاندلس ارضًا اسلامية, اصبحت ساحة اكبر واقدم صراع بين الاسلام والمسيحية. وفي طرح الرواية, فإن هذا الصراع ما يزال قائما اليوم.وهذا يقودنا الى الشق الثاني من السؤال, وهو لماذا قصر الحمراء؟ واقول لأن هذا القصر هو اليوم رمز الوجود العربي الذي كان في الاندلس. وفي الرواية, فإن رغبة الأمير باعادة بناء هذا الرمز في الرياض, عاصمته, هو اعادة لتأجيج هذا الصراع, وان لم يكن يقصد ذلك بالمطلق من حيث الظاهر. بمعنى آخر ان الرواية تريد القول اننا لم نقتنع حتى اليوم بفشلنا في الاندلس.· وهل فشل المسلمين مبرر للاصطدام ؟؟ نحن لا نريد ان نقتنع بأننا اصطدمنا هناك بالمسيحية, وأننا ما نزال نريد لهذا الصراع ان يستمر دون ان ندرك ذلك في الظاهر, بل في العمق, في اللا وعي الباطني لنا. فكلنا اليوم يتباكى على الاندلس. وكلنا لا يمانع ان تعود ولو بالنار والحديد. اليس هذا استمرار للصدام بل واصرار عليه؟
الاسلام عاش مع العرب في الأندلس وخرج بخروجهم :·
كما هو معلوم ان عرب الجزيرة “المسلمون” دخلوا بلدانا كثيرة وغيروا في مفردات ثقافة الدول التي “فتحوها او غزوها”. من وجهة نظرك لماذا تلاشت مفردات المسلمين الثقافية في “اسبانيا “الاندلس المفقود” ولم تتلاش في تركيا او ايران؟ -
هذا هو تحديدا الطرح الذي اقول به في روايتي: لماذا غاب الاسلام عن الاندلس ولم يفعل في باقي دول العالم التي دخلتها الجيوش العربية؟ لأني لست أومن بأن العرب دخلوا الاندلس بهدف نشر الاسلام. لقد حضرت القبائل العربية بكامل افرادها, فتقسمت البلاد بين القيسيين واليمنيين والبربر. اما سكان البلاد الاصليين فاختفوا من المشهد السياسي والاجتماعي لاسبانيا. من اجل ذلك حصلت عمليات الاسترداد التي انطلقت من اقصى الشمال وانتهت بسقوط الاندلس كلها أو بالأحرى عودتها الى أهلها الاصليين.وهنا اسمحي لي أن أقول التالي: دخلت اسبانيا في الكاثوليكية قرابة العام 578 ميلادية, في حين دخل العرب عام 711 ميلادية. اي ان الكاثوليكية لم تكن قد ترسخت في البلاد بأكثر من قرن ونصف. ما يعني انها كانت مهيأة لاستقبال دين جديد. لكن ذلك لم يحدث. خذي الصورة المعكوسة, تركيا مثلا. دخلتها المسيحية في منتصف القرن الميلادي الاول تقريبا, ثم اصبحت عاصمة المسيحية الشرقية لمدة 14 قرنا حتى عام 1453 عندما سقطت اسطنبول في يد محمد الفاتح. اي انها كانت عريقة بل وعريقة جدا في المسيحية, رغم ذلك تحولت بكاملها الى الاسلام, بل وعاصمة للإسلام, وبقيت كذلك حتى عهد قريب. ماذا تفسرين ذلك برأيك؟·
انت اجتهدت في تحليل هذه الظاهرة التي يخالفك الكثيرون في قرائتها
!أنا اجتهدت, وقد اكون اخطأت في اجتهادي. لكن هذا ما قادتني اليه قراءاتي. من يملك ما يفند هذه الدعوى ويدحضها فاليطرحها وسأحترم رأيه بكل حب.اعلم ان هناك من سيقول ان الاسلام انتهى بسبب محاكم التفتيش في الاندلس. هنا تحديدا اقول: اولا, ان محاكم التفتيش لم تمس المسلمين وحدهم, بل وحتى اليهود والاسبان المسيحيين انفسهم. ثانيا, وهذا الأهم, ان هذه المحاكم لم تظهر الا بعد سقوط الاندلس, لا قبلها. · إذن، الرواية تطرح موضوعا بالغ التعقيد كوننا “نحن العرب والمسلمين” نعتبر دوما ان سفكنا لدماء الآخرين جهادًا وغزواتنا فتوحات؟ على صعيدك الشخصي كيف ترى ذلك؟ وبرأيك من منحنا قدسية ما نقوم به ؟- لا.. انا لست أقول ابدا بأن جهادنا كان سفكا للدماء, بل اقول ان تاريخنا في الاندلس وحده كان سفكا للدماء لأنه لم يؤد الى نشر الدين الاسلامي ابدا. عاش الاسلام في الاندلس مع العرب وحدهم فقط. فعندما خرجوا خرج الاسلام معهم. معنى هذا ان سكان البلاد الاصليين لم يتحولوا الى الاسلام. وفي يقيني ان من تنصر من المسلمين اكثر من الذين اسلموا من النصارى. · علمنا أن رواية “سلام” واجهت بعض الاعتراضات من قبل الجهات الثقافية في مصر والمغرب، هل هذا صحيح؟ ولماذا؟ - كانت هناك بعض العقبات. لكن لعلها اجتهادات فردية اكثر منها جماعية او رأي عام. في مصر كان يفترض ان يكون هناك حفل توقيع للرواية لدى احدى دور النشر الكبيرة, لكنها الغت الحفل قبل 48 ساعة دون ابداء اسباب وان كان هناك من المح الى المضمون. وفي المغرب جرى اتفاق جنتلمان على ان يتم تأجيل حفل توقيع حتى لا يكون متزامنا مع مهرجان أصيلة الثقافي. وللحق اقول ان حفل توقيع الرواية لم يكن مدرجا في الاساس ضمن انشطة مهرجان اصيلة. وبالتالي فليس من حقي القول ان شيئا قد الغي بعد ان كان قد تم اعتماده رسميا.على كل انا أتوقع ان اواجه مواقف مماثلة. أتأمل ان اكون مخطئا. فنحن في حاجة الى طرح فكر جديد يخرج من الشرانق التاريخية المحاطة بقدسية لا داعي لها.
· انت عملت فترة كبيرة “في عالم السيدات” كونك ترأست تحرير مجلة سيدتي، وانت بشكل عام مولع بالمرأة ومدافع عن قضاياها، وقد شكلت النساء محورا مهما في روايتك السابقة “اختلاس” ، اين المرأة في سلام؟ واعني المرأة وليس الأنثى؟-
أولا, لا يمكن للرجل ان يدافع عن المرأة, بل المطلوب ان تدافع المرأة عن نفسها بنفسها, ودور الرجل هنا المساندة فقط. وهذه الرسالة التي كنت اقولها في روايتي الاولى “اختلاس”.بالنسبة لسلاّم فأقول نعم, لا توجد امرأة ضمن احداث القصة ولا ابطالها. لم يكن هناك من دور يمكن ان يناط بها. لا يعني ذلك تقليلا من اهمية وجودها, لكني لست اريد ان أظهرها في دور ثانوي. سلاّم ليست فيلما سينمائيا. ولا قصة اثارة. انها رواية تتحدث عن فكرة تتعلق بمستقبل علاقتنا بالآخر انطلاقا من علاقتنا به في الماضي.
انتشار السلفية المتطرفة وتزايد قوة المؤسسات الدينية:·
بعيدا عن الرواية ولندخل في عمق الاشكالية، هناك دومًا طبقة من “الاكليروس” ورجال الدين الذين يمنحون انفسهم حق “اعطاء الفتاوى المحللة والمحرمة، الامر الذي اوقع العرب أجمعين في “الجمود”، كيف السبيل الى تحييد “الديني” او تطويره على الاقل؟ في وقت اصبحت دولة كالسعودية ( على سبيل المثال) مطالبة على المستوى الدولي بتطوير “منظومتها الاجتماعية” التي مازالت الى الآن تحرّم على المرأة قيادة السيارة وتحرمها من ابسط حقوقها المدنية؟؟-
تسألين كيف السبيل الى تحييد الديني..؟ نقطة جيدة. لكن من قال اننا نريد للدين ان يكون بعيدا عنا, او أن نحيده في اعمالنا وتصرفاتنا؟ أنا مسلم فخور بدينه. لكن ليس بهذا التطرف والجمود الذي أراه اليوم.دعيني أطرح الأمر من منظور آخر. لنسأل أولا: كيف يمكن ان يؤثر تاريخنا في الاندلس, بصرف النظر عن كونه احتلال او فتح, على مستقبلنا مع الآخر؟لو تأملنا الخارطة الدينية اليوم, على مدى العالم العربي والاسلامي ككل, سنجد ان الفكر السلفي, المتطرف منه تحديدا, قد استطاع التواجد بقوة في كل مكان. يعززه رأسمال قوي متعدد المصادر.هذه السلفية المتطرفة تتغذى على آخر ترفضه, بل تكفره وتدعو الى قتاله. ودليل نجاح هذا الفكر في الانتشار حتى في الدول الماليكة او الشافعية المعتدلة يمكن ان نراه واضحا من خلال تبني تفجيرات مدريد على سبيل المثال, حيث الفكر المتطرف يرى بوجوب محاربة النصارى. بل الاكثر ان هناك تنظيما جديدا في المغرب يطالب باستعادة الاندلس. حسن.. لقد عاش العرب 900 عام في الاندلس ولم يحولوها الى الاسلام, فهل سينجحون الآن بالقوة؟بالتأكيد هذه نظرة ستدخلنا في صراع مع الآخر, لا اعتقد ان الغلبة فيه ستكون لنا, بسبب ضعفنا, وسوء تخطيطنا. واسمحي لي بالقول هنا انني اعتقد ان الاسلام سينتشر في اوروبا لو اردنا عن طريق الفضيلة التي يمكن ان نظهرها للآخر. عن طريق القدوة التي ينبغي ان نكون عليها. لكن كيف السبيل الى ذلك وسط دعوات متطرفة لا تمثل قدوة حسنة حتى لنا نحن المسلمون؟ستقولين لي ان الغرب مخطئ ايضا في نظرته لنا وفي محاربته لنا. اقول نعم هو مخطئ, ونحن بالمثل مخطئون. هناك خوف من الاسلام في الغرب, خوف مبالغ فيه. وهذا خطأ كبير. لكن لنبحث عن السبب وراء هذا الخوف, انه غياب القدوة والنموذج الفاضل بيننا وهذا خطأ اكبر.
· من خبرتك العملية في “امبرطورية الاعلام السعودي” - الذي يتحكم فيه ” البترودولار بالدرجة الاولى – نجد دوما انه “اعلام يهادن السلطات” وكأن هناك عقد ضمني غير معلن بين وسائل الاعلام والجهات السياسية في المملكة السعودية بعدم “الاقتراب ” من المحرمات بشكل مباشر” السياسة والدين”، ماهو سقف الحرية الذي تقفون عنده؟ واقصد هنا “بالاعلام ” المباشر” وليس عبر الادب والرواية او الفنون الاخرى؟
من خبرتي في العمل الاعلامي اقول ان الخط الأحمر الأول والرئيسي هو الدين. انه ليس الخوف من الصدام مع المؤسسة الدينية السعودية القوية جدا, بل ايضا من المجتمع.فمن قال ان المجتمع السعودي لا يساند المؤسسة الدينية؟ حتى تلك الدعوات التي تسمعينها بوجوب التخفيف من القيود الدينية, ثقي انها اقل من الاصوات الداعية بعكس ذلك.المؤسسة الدينية في السعودية تزداد قوة يوما بعد يوم, لا في السعودية وحدها, بل وحتى في الكثير من الدول العربية والاسلامية. لكنها في السعودية اقوى باعتبارها رأس الحربة الدينية. اما المؤسسة السياسية فالخط الأحمر معها محسوم, وحتى لو تم تجاوزه اجتهادا, فإنها تغفر.. لكن المؤسسة الدينية لا تفعل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق