الثلاثاء، 19 مارس 2013

مواجهة الحتميات الطائفية في العراق- مروة كريدية




مروة كريدية :
ان الادارة الاميركية ليست جمعية خيرية تمنح الحرية والديموقراطية للشعوب بل هي تقوم بما تراه يخدم مصالحها"


مروة كريدية في حوار مع جريدة خبات العراقية - اربيل - في عددها رقم 2707 الصادر يوم 16 ديسمبر 2007

اجرى الحوار الأستاذ دلشاد مصطفى الوساني

  
·  كيف تنظرون الى التكوينات القومية و المذهبية و الدينية  ، والدول في الشرق الاوسط؟
باعتقادي أن المشكل لا يكمن في وجود القوميات والاثنيات والمذهبيات بحدّ ذاتها بل في العقلية الالغائية الواحدة التي تريد ان تفرض نموذج واحد على الآخرين وهو ما يُعرف بالعصبيات "الطائفية"  الأمر الذي  يحول الدولة من دولة الى لادولة او مستودع طوائفي .

فنحن اليوم أمام دول أشبه ما تكون بالمستودعات المركبّة من الفوضى، والانظمة السائدة فيها تسلطية بطبيعة الحال لأنها صاحبة "السلطة القهرية"، حيث يجتمع فيها دور الشرطي الحارس الذي يجمع بين الحالة المدنية والحالة العسكرية، الامر الذي يجعل البلاد في حالة "اللادولة" و الفوضى الدائمة.

·  هل خارطة فسيفساء هذه التكوينات عامل مساعد لتكوين ارضية مناسبة لظهور اجواء يسود فيها عدم الاستقرار في المنطقة؟


الفساد الموجود حاليًّا  في المنطقة بكافة دولها مركّب، لأن العلاقة القائمة بين الشعوب والانظمة مبنية على  ان السلطة هي الطريق الى المال، فيصبح الجاه السياسي و المنصب هو مصدر الثروة، والمنصب لا يتوصل اليه من خلال انتخابات ديموقراطية بل من خلال محسوبيات وزعامات عشائرية وطائفية وهنا الكارثة.

من الطبيعي في هكذا بنية أن تكثر الصراعات والنزاعات بين "عصبية" وأخرى، فتسقط "عصبية متمثلة في زعيم"، لتقوم مكانها عصبية ثانية متمثلة بزعيم آخر، وهكذا دواليك مع كل التداخلات الاقليمية والدولية التي تدعم هذا الفريق أم ذاك…. محدثة انقسامات فئوية حادّة، ليسقط الجميع في فخ الدويلات فتقسم المنطقة الى دويلات صغيرة، يصبح كل زعيم فيها على طائفته صيّاح….في ظل خوف دائم من نشوب حرب أهلية.



كيف تقيمون نظرة العرب الحالية من حيث النظرة القومية و النخبة المثقفة والسلطة ازاء الكورد ؟
لا توجد نظرة واحدة عند كل النخب العربية ، فالعرب كما الأكراد كما الأتراك كسائر القوميات ، مجتمعاتهم تحتوي على وجهات نظر متفاوتة ومتباينة بعضها منفتح على الاخر وبعضها يعزل نفسه في اطار هويّة محددة .

 فالحضارة العربية استفادت من مكونات كافة الحضارات الاخرى التي تعاطت معها ، والعكس صحيح أيضًا فالقوميات الغير عربية ساهمت في إثراء الحضارة العربية واغنائها بدون شك .

ومن وجهة نظري ان ما يجمع الاكراد والعرب والاتراك اكبر بكثير مما يفرقهم فمفرداتهم  الحضارية متشابكة وتراثهم الحضاري متشابه الى حدٍّ بعيد..ولا أرى سببا للتمييز بين عربي وكردي فالتمييز بين البشر يؤدي الى وقوعنا في فخ العنصرية وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا ..



ماهي قرائتكم للاستراتيجية الامريكية في العراق وماهي تاثيراتها على منطقة الشرق الاوسط ؟

بداية يجب ان نقرر ان ما تقوم به الإدارة الأميركية الحالية يصب في الدرجة الأولى في مصلحتها ومصلحة كبرى شركاتها وهذا أمر طبيعي ، فهذه الادارة ليست جمعية خيرية تمنح الحرية والديموقراطية  للشعوب بل هي تقوم بما تراه يخدم مصالحها لا سيما الاقتصادية منها ؛ الواجب على شعوب المنطقة ان لا يستجدوا مساعدتها بل ان يكونوا هم انفسهم حريصون على مصالحهم ويضعوا استراتيجياتهم  بأنفسهم  ويبنوا مؤسساتهم بأيديهم وهذا يتوقف بالدرجة الأولى على حريّة الكائن الانساني ومدى تحرره من التبعية لغيركائنا من كان

الامر الآخر  ، ان وجودها في المنطقة أحدث بدون شك مناخ من الحرية غير أنها حريّة انبنت على احداث فوضى عارمة ، وهي حريّة شكليّة لا تؤسس لأفراد أحرار حقًّا ، لأن الحرية تنبع من ذات الفرد ولا تُستجدى أو تُفرض .

أما فيما يتعلق بالبنى التطبيقية والعملية  لسياسة المحافظين الجدد من اليمين تجعلنا نستشف أن المحور التوسعي و محور توظيف المقدس  هما أحد أهم مرتكزات هذه السياسة وذلك من خلال  استثمار ترتيبات مرحلة الأحادية القطبية وتسيير العالم وفق ما يراه اليميين المحافظ وليس وفق ما يراه ذلك العالم ،وهو  ما صرّحت به مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية الحالية كونداليزا رايس عقب وصول بوش الابن للبيت الأبيض في مطلع عام 2001 حيث  قالت بأنه بات من الصعب تقبل فرضية تساوي دولة قوية مثل الولايات المتحدة الأمريكية مع بقية دول العالم أمام مبادئ القانون الدولي العام.


كيف تقيمون دور الكرد في العملية السياسية في العراق؟

لا أحب أن أدخل في التسميات او التقييم ،  ولكن لكل انسان دور حتى في العملية السياسية ،المهم ان يتحلى الجميع بالوعي لان التفكير من منطلق طائفي بحت او قومي بحت سيعزل افراد الشعب الكردي عن امتداداته الحضارية الأخرى فالمكونات الفكرية والحضارية للشعب الكردي تتجاوز كونه "كرديًّا  " وحسب، فالانسان بوصفه كائنًا كونيًّا لا يمكن له ان يحبس نفسه في اطار هويّة عرقية او قومية يسقط أسيرها .
الدور الحقيقي الملقى على عاتق كافة العراقيين  ينبغي ان يتمثل في رفض القوقعة الفكرية والمذهبية والانطلاق لأفق أوسع لبناء دولة عصرية تتجاوز القوميات والمذاهب وتؤسس لديموقراطية حقيقية تقوم على احترام الانسان بغض النظر عن انتمائاته الدينية او العرقية او اللغوية ..

هل الفيدرالية حل منسجم لتعايش كافة التكوينات معاً في ظل نظام ديموقراطي تعددي؟  
ليس المهم من وجهة نظري شكل النظام أو اسمه فللفدرالية حسنات وسيئات، ولغيرها من الانظمة سلبيات وايجابيات  الأهم هو البنية المؤسسة للأنظمة ، وبالدرجة الاولى "الإنسان " اي العامل البشري ، فعندما يتحلى القوم بالوعي الحضاري يعون دورهم تمامًا على خارطة العراق الذي يحتوي التنوع الإثني والديني  في ضوء الوحدة الوطنية  التي يشكلون 
الأهم إذن هو تكوين وعي تربوي عند كافة أطياف الشعب العراقي أن التفكير في التقسيم سيؤدي الى عزل كل فئة وترسيخ الهوة بين البشر
وفي الوقت التي تسعى فيه دول العالم المتطور الى التلاقي كما حصل في دول الاتحاد الاوروبي  نجد ان منطقة الشرق الأوسط  تتجه لمزيد من التفتيت .

هل ترون مخرجا للازمات الحالية ؟
بالدرجة الأولى يكون ذلك بالانتقال نحو الديموقراطية وفق برنامج وسيرورة تواجه الحتميات الطائفية… قبل كل شيئ

ماهي اهم الخطوات من وجهة نظركم ؟

بداية عبر فصل السلطة السياسية عن سلطة رأس المال : وذلك من خلال قطيعة نهائية مع "دولة المستودعات الطائفية ".

• الامر الثاني تأسيس وعي شعبي  بالديموقراطية لان النضج الشعبي وفهمه للديموقراطية هي مسألة تربية وسيرورة تربوية طويلة، فهي تَجربة تُعاش وليست ثوبًا يُلبس ، بل هي سيرورة تُنجز على مراحل متتابعة، بحسب استعدادت كل مجتمع وكل فرد، فهي تُصاغ وتتشكل مع عملية بناء الذات الفردية والمجتمعية بما يتلاءم مع الواقع والظروف المحيطة.

الأمر المهم ايضًا أن  مفهوم "الدولة " يرتبط ب "التداول" وأن التعاطي بالشؤون العامة ينبغي ان يكون من خلال تعاقب "حكومات جيدة "، يرعون الإصلاح ويواصلونه من خلال سيرورة حتى تنتقل الامور من الأسوأ إلى السيئ الى الجيد إلى الأفضل…وهكذا في تطور دائم مستديم، وهذه سُنَّة كونية وايقاع دوري للحياة، كما أن هذه الرؤيا تحرر السياسي من فوبيا الكرسي والشك بالآخرين وتمنح الفرد السلام، فينطلق للعمل والابداع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق