الجمعة، 29 مارس 2013

مروة كريدية تحاور سليم الحص

الرئيس سليم الحص - مروة كريدية


سليم الحص : لا أراهن على نجاح القمة العربية … وجامعة الدول العربية أضحت مستهلكة ومنهكة وفاقدة للفعالية…و"كول" هدفها الضغط على المسار السياسي
حاورته : مروة كريدية -إيلاف - 7آذار 2008 
 
إنه رجل اقتصاد قبل أن يكون رجل سياسة، يُطلق عليه محبّوه لقب ضمير لبنان ويقول عنه معارضوه بأنه رجل ليّنٌ وضعيف، غير ان الجميع يجمع على نظافة كفه وسياسته الاقتصادية الحكيمة … هادئ الطباع يخجلك أدبه الشديد ورقّي أدائه ، يتميز بجرأة أدبية نادرة فهو يعترف بأخطائه واخفاقاته ، شغل منصب رئاسة الوزراء مرات عدة في ظل ظروف عصيبة أليمة ، وكان قد شغل العديد من المناصب الاقتصادية قبل منصبه السياسي أهمها مستشارا لصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، ثم رئيسا ومديرا عاما للمصرف الوطني للانماء الاقتصادي والسياحي، قال كلمته الشهيرة بعد سقوطه في انتخابات عام 2000 النيابية "انني خرجت من حيز العمل السياسي إلى حيز العمل الوطني" إنه رئيس الحكومة اللبناني الأسبق الدكتور سليم الحص…
التقيته على هامش  اعمال الملتقى الأول للاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي الذي انعقد بدبي , وكان لقاءًا بنكهة اقتصادية من وحي المؤتمر ، غير ان الحص عبر من المدخل الاقتصادي الى السياسي ولمح للشأن اللبناني  طارحًا فكرة تكامل عربي ، قد تبدو للبعض رومانسية وبعيدة عن الواقعية وأنا منهم ،  فهو بالرغم من الانشقاقات العربية الحادة مازال يؤمن بأن هناك أمل بالتكامل العربي  ويرى  ان التكامل الاقتصادي الخليجي هو المدخل المرتجى الى التكامل العربي المنشود .
 
·   بداية دولة الرئيس ، هناك شعور سائد عند الشعوب العربية بالتخوف من موضوع العولمة بشكل عام والعولمة الاقتصادية بشكل خاص، فالبعض يعتبره نوع من الاجتياح الأميركي، وانا هنا أقصد الناس العاديين ولا أقصد الانظمة او الاقتصاديين او المستثمرين الذين يرون  ان العولمة ايجابية لانها تتفق مع مصالحهم بطبيعة الحال؟
 
الشعوب تراها مرادفًا للأمركة ومن هنا التخوف السائد في المجتمعات التي تعد أقل تطورًا، وهو أن تكون العولمة هي المطية للدول الصناعية للهيمنة على الاقتصاد العالمي وبالتالي يؤدي ذلك الى ابتزاز العالم الثالث واستنزافه .
 
·        كيف لنا ان نطمئن الشعوب الى أن العولمة هي في حقيقتها  ترجمة لمفهوم التكامل الذي هو سمة العصر؟ 
 
بالتأكيد العولمة لا تعني التفريط بالقضايا الوطنية ومصالحها ، ولا تعني التفريط بالقومية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية ، فالعولمة فعلا كما أشرتِ هي ترجمة لمفهوم التكامل وتهدف الى إلغاء الحواجز والعقبات أمام تبادل السلع والخدمات واليد العاملة والأموال والمعرفة وتطال كل العالم بما يخدم قضايا التنمية والمستوى المعيشي للبشر وبالتالي فهي تؤدي الى رفاهية الانسان على وجه الأرض وهو أمر جيد ومطلوب ….
 
 
·   بدون شك دولة الرئيس نحن تعولمنا شئنا أم أبينا وهذه حقيقة واقعة، ولكن موقعنا في ظل العولمة الى الآن ما زال موقعًا سلبيًا ، نحن لسنا مؤثرين أو فاعلين.. كيف لنا   أن نكون فاعلين فيها مؤثرين في سيرورتها ؟
 
إن حركة العولمة على المستوى الدولي لم تمنع قيام السوق الأوروبية المشتركة ومن ثم الاتحاد الأوروبي وتطويره اقتصادياً وسياسياً ليغدو مركز ثقل مرموقاً دولياً، فأضحت أوروبا شريكاً فاعلاً في القرار الدولي مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا .
 كذلك لم تمنع حركة العولمة الصين والهند من تطوير اقتصاديهما على وجه أضحت الدولتان من جرائه مرشحتين لأن تكونا في عداد القوى الاقتصادية، ومن ثم السياسية المرموقة التي تشارك مشاركة فعالة في صنع القرار الدولي سياسياً واقتصادياً .
 وبناء على ذلك ليس ما يمنعنا نحن العرب من السير على هذه الطريق فنستولد اتحاداً فيما بيننا على نحو متدرج، مستفيدين من التجربة الأوروبية الناجحة .
و بذلك لا نمكّن ظاهرة العولمة المتعاظمة من سحقنا أو تهميشنا، لا بل بذلك نستطيع نحن العرب أن نسخر حركة العولمة لخدمة مصالحنا، كما تفعل أمريكا وأوروبا وكذلك اليابان والصين والهند . وبذلك يكون لنا شأن في الساحة الدولية ينسجم مع امكاناتنا ومنطلقاتنا ومصالحنا الوطنية والقومية . فلنبدأ كما بدأت أوروبا بسوق مشتركة، ثم منطقة اقتصادية حرة وننتهي باتحاد عربي متماسك ومتكامل اقتصادياً وسياسياً.
 
·   انت تطرح فكرة اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي الذي شهد تطورًا اقتصاديًا بارزًا وسياسي كما أنه شهد توسيعًا لنطاقه الجغرافي ، ألا تجد أن دعوات ومشاريع الوحدة العربية أثبتت فشلها ؟
 
إن الدول العربية أولى بالإتحاد من الأوروبيين لأسباب عدة؛ الأمر الأول وهو  اللغة فالعرب تجمعهم  لغة واحدة والاوروبيون لغاتهم متعددة فهم يتكلمون ما لايقل عن خمس وعشرين لغة؛ الامر الثاني و هو المصالح المشتركة فالعرب يسودهم كما يسود أوروبا شعور بالمصير المشترك ؛ الأمر الثالث التراث الحضاري المشترك العريق والعميق  فيما أوروبا شهدت في قرن واحد وهو القرن العشرون حربين عالميتين الاولى والثانية كما شهدت نزاعات مسلحة ضارية بين دولها وكانت مسرحًا للحروب خلال القرون المنصرمة خصوصًا حروب نابوليون..كل هذه العوامل تجعل من اطلاق اتحاد عربي  ضرورة ملحة …
 
·        مالذي يجعلك مؤمناً بهذا المشروع الى هذا الحد؟
ما يعزز إيماننا بضرورة العمل على إطلاق إتحاد عربي هو ما نشهده من مشاريع دولية ترمي الى تمزيق الدول العربية، فليس من قبيل الصدفة على الاطلاق أن تُفجر الأزمات المدمرة في لبنان وفلسطين والعراق والسودان في وقت واحد…. إضافة لما يدور من صراعات داخل الكيانات العربية .
 
·        ألا تعتقد أن ذلك يجب ان يكون جزءًا من أهداف ومهمّات جامعة الدول العربية ؟
 
جامعة الدول العربية أضحت مستهلكة ومنهكة، وبالتالي فهي فاقدة للفعالية، وذلك بفعل الخلافات والنزاعات العربية وتشتت مصادر القرار في الأقطار العربية، والاتحاد العربي هو البديل الأنجع والطبيعي للجامعة . وقد ظهر عجز الجامعة المطبق مؤخراً في الانكفاء العربي على القيام بدور في التصدي لما واجه عدداً من الدول العربية من تحديات مصيرية
 
·        من خلال طرحك لفكرة الاتحاد العربي اين ترى النفط الخليجي في تلك المنظومة ؟
 
الخليج أساسي في إنتاج النفط العربي وليس الوحيد …فالنفط موجود بمقادير مختلفة في دول عربية كثيرة منها ليبيا والجزائر ودول أخرى … فانتاج النفط ليس محصورًا بالخليج وحده.
النفط سيكون قاعدة أساسية في منظومة الاقتصاد العربي وثروة يجب ادارتها، والاتجاه العالمي يسير نحو تسليم القطاع الخاص ، والمفترض ان يكون في يد شركات معينة ، فالقطاع الخاص يلعب دورا متناميا على غرار ما يحصل في دول العالم .
 
 
·        كونك لبنانيًّا ، كيف ترى الدور اللبناني من خلال الاتحاد العربي المفترض ؟
 
للبنان دور تاريخي حضاري عربي مميزعلى الدوام ، ونطمح ان تكون بيروت بمثابة  بروكسل العرب كما بروكسل عاصمة الاتحاد الاوروبي،  فهي تمتلك كافة المقومات والامكانيات والمزايا للعب هذا الدور الرائد لقيام اتحادٍ عربي منشود .
 
 
·   بالعودة الى الشأن الخليجي الاقتصادي تحديدًا ، كيف تقرأ مؤتمر القمة الخليجية التي انعقدت في الدوحة وصدر عنها بيان في الرابع من ديسمبر 2007 أُعلن فيه بدء العمل بالسوق المشتركة الخليجية مع اطلالة عامنا الحالي ؟
 
بدون شك هي خطوة جيدة ومشهودة، في هذا السياق, كما أن البيان الصادر هو بيان تاريخي بدون شك … لأنه نص على تقوية أواصر التعاون بين الدول الأعضاء، كما انه يسعى لتحقيق التنسيق والتكامل في ميادين متعددة تؤدي الى صون الوحدة وكان هناك دعوة لاستكمال تحقيق المعايير النقدية كما كُلِّف الوزراء بوضع برنامج لاستكمال جميع متطلبات الاتحاد النقدي ورفعه الى الدورة المقبلة التي ستنعقد في مسقط العام القادم .
 
·   في حال نجحت التجربة الخليجية اقتصاديًّا وماليًّا وتحقق اتحاد خليجي اقتصادي فهل تتوقع ان يتحول الى اتحاد سياسي ؟
 
في حال تحققه اقتصادّيا فمن الطبيعي ان يتطور سياسيًّا … وهذا ما نأمله
 
·        إذن ما هي الصيغة المفترضة في هذه الحالة ؟
 بداية تكون الصيغة الكونفيدرالية ويكون هذا الاتحاد مرشحًا لان يتحول تدريجيًّا إلى كيان فدرالي … وفي احسن الحالات والاحتمالات إندماجي متكامل موحد .
 
·   قد يبدو كلامك طوباويًّا الى حد ما، ففي عصر الانشقاقات العربية هل يمكن للشعوب العربية ان تعقد الرهان على نجاح إتحاد خليجي فعلي ؟
 
الاتحاد الخليجي سيكون نواة للاتحاد العربي الشامل ورائدًا له ، لذلك فإن الرهان على نجاح الاتحاد الخليجي هو من الرهان على استيلاد اتحاد عربي جامع تتكامل فيه عناصر الدولة الاتحادية العربية الموعودة على امتداد الوطن العربي من المحيط الى الخليج .
 
·   شهد الدولار الأميركي تدهورًا ملحوظًا لماذا لم تتخلى الدول الخليجية حتى الآن عن ربط عملاتها به أسوة بالكويت على الاقل ؟
 
إن ربط العملات العربية بالدولار ليس بالقرار الاقتصادي المحض، بل هو قرار سياسي من الدرجة الأولى، لأن أميركا تضغط على الجميع سياسيا لكي لا تتخلى هذه الدول عن الدولار، و القرار الكويتي موقف اقتصادي مثير للإعجاب   فقد قررت ربط دينارها بسلة عملات أجنبية …
 
·   لا يمكن أن نختم الحديث دون أن نُعرّج ولو قليلا على الشأن اللبناني الاقتصادي ،من خلال قراءة تاريخية للاقتصاد اللبناني نجد ان الفورة النفطية ساهمت في صمود الاقتصاد اللبناني في السابق هل مازالت هذه المساهمة قائمة حتى الآن؟
 
إن الفورة النفطية العربية هي السبب في حالة الصمود الايجابي للاقتصاد اللبناني إلى اللحظة، وقد استفاد لبنان سابقا من هذه الفورة قديما عندما كان سعر النفط يراوح حول العشرين دولارا، إلا أنه اليوم وبسبب الظروف السياسية الحالية لم ينله إلا الرذاذ فقط والذي كان كفيلا بالحفاظ على استقرار المؤشرات الاقتصادية تلك.
 
·    إذن ، كيف تقيم الاقتصاد اللبناني ؟ وما هو حال العملة اللبنانية خصوصًا أنها مستقرة برغم عدوان تموز وانهيار الدولار والازمات السياسية الداخلية المتفاقمة ؟
 
تقول السلطة اللبنانية الحالية لدينا إن الليرة اللبنانية مستقرة … وهو ان سعر صرف الدولار في لبنان مستقر ولم يتغير بالرغم من الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتوترة، لكن الحقيقة أن الدولار انخفضت قيمته بنسبة 30 % إلى 40% وهو ما يعني تلقائيا أن الليرة انخفضت إن لم تكن قد انهارت.
 
·   غير ان البعض يعتبر ان تدهور الوضع الاقتصادي اللبناني مرتبط  بسحب الاستثمارات لعدم توفر الامن ولزيادة التوترات السياسية ؟
 
أنه من الطبيعي جدا أن يقوم رجال الأعمال العرب وغيرهم بسحب استثماراتهم من لبنان بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المتدهورة فيه منذ فترة، إلا أن ما انسحب من تلك الاستثمارات ليس بتلك الأهمية إلى الآن، فالاقتصاد اللبناني وبالرغم من أنه في أسوأ حال، إلا أن المؤشرات الاقتصادية فيه لا تزال إيجابية، سواء من حيث الإقبال على الودائع المصرفية أو الأوراق المالية أو الإقبال المتزايد على العقارات.
 
·   ولكن لنكون منصفين ، ألم يؤثر الاعتصام الحاصل من قبل المعارضة في وسط بيروت سَلبًا على الاقتصاد اللبناني ؟
 
نعم ، هو أثر سلبًا على المنطقة التي وُجِدَ فيها، أيّ أثر على اقتصاد منطقة وسط بيروت، ولكن المربعات الأمنية في لبنان أيضا تضر بالاقتصاد الوطني …. فكما هناك اعتصام هناك مربعات أمنية …
 
·        في ظلّ الظروف العربية المتأزمة والقضايا المُلِحّة ، ماذا تتوقع من القمة العربية مع اقتراب موعد انعادها ؟
 
انعقاد القمة العربية مناسبة لجلاء الموقف وتصحيح الوضع العربي ، وإعادة اللُحْمَة وبصورة خاصّة في لبنان … لا أراهن على نجاحها ولكن نأمل ذلك
 
·   سؤال أخير قد يبدو بعيد عن الشأن الاقتصادي ، لماذا اعتبرتَ في احدى وسائل الاعلام أن وجود الباخرة الاميركية كول قبالة الشواطئ اللبنانية من شأنه أن يزيد   التوتر في المنطقة، علما انها ليست داخل مياه لبنان الاقليمية ، كما أن بعض الفرقاء يرى انه حريّ بنا أن نشكر الولايات المتحدة الأميركية على صنيعها من أجل حماية لبنان ؟
أخطر ما في مسألة المدمرة الأميركية أن من شأنها إثارة رهانات من جانب فريق معين ، وهي ستؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة توتر الأجواء اللبنانية ،أما عندما يُقدِم أحدهم على توجيه شكر لأميركا، معنى ذلك أنه يُراهن بأنها ستكون عونًا له للانتصار على خصومه .
وعندما سُئلت عنها قلت انها مجرد تهديد للبنان وهدفها الضغط على المسار السياسي في اتجاه معين وبالتالي فإن تعزيز رهانات البعض على الدور الأميركي في سبيل تحقيق الانتصار على الخصوم في لبنان من شأنه أن يزيد في التوتر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق