سليم الحص - مروة كريدية |
إدراك الهوية شرط لاستعادة الوعي العربي والانتماء العربي فعل إرادة
ما نحتاجه اليوم هو الديموقراطية وآليات المساءلة والمحاسبة
مروة كريدية من الشارقة - ايار 2007
أكد د. سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق على ان السؤال المطروح حول “ما العمل لاستعادة الوعي العربي ”؟ سؤال كبير يقودنا إلى استشراف آفاق متشعّبة لا حدود لها، ولعل السؤال الأنسب عملياً هو: أين نبدأ؟ فالوعي قد يكون اجتماعياً أو وطنياً أو قومياً أو إنسانياً، ولعل المقصود بالوعي العربي الوعي القومي الجامع، على مستوى الأمة العربية، والقومية أساسا رابطة انتماء مشترك عنوانه العروبة.
والعروبة ليست رابطة إثنية، فالأمة العربية يعود أبناؤها إلى أصول إثنية متنوعة، والحركات الشعوبية في العالم العربي كثيراً ما تتخذ من تنوع الأصول شاهداً على حال انقسام وفرقة، وبالتالي حجة على بطلان رابطة العروبة.
في لبنان من يصر على الأصول الفينيقية للشعب اللبناني، وفي مصر من يقول بالأصول الفرعونية للشعب المصري، وبين العرب من يصنّف عرب إفريقيا في خانة الحامية فيما سائر العرب من الساميين، وفي شتى المجتمعات العربية أقليات تزعم أصولاً آشورية أو كلدانية أو سريانية أو كردية أو أرمنية أو خلاف ذلك
الأمة في واقع الحال هي كل هؤلاء معا، فالعرب ليسوا أولئك الذين تعود أصولهم حصرا إلى الذين خرجوا من الجزيرة العربية إثر شروق الإسلام، والعروبة في نهاية التحليل رابطة لغة وثقافة وتاريخ وفوق كل ذلك إرادة مشتركة، العربي ليس هو الذي يتحدر من أجداد أنجبتهم الجزيرة العربية، بل هو الذي ينطق بالضاد ويشاطر سائر أبناء الأمة ثقافتهم وتراثهم وتاريخهم، وهو الذي يقول إنه عربي ويريد أن يكون عربياً بملء إرادته، فالانتماء العربي فعل إرادة. وما الفئات التي يُستشهد بها للدلالة على بطلان الانتماء العربي إلا فصائل من الأمة العربية الواحدة
جاء ذلك في معرض تعليقه على الجلسة الختامية لأعمال مؤتمر مركز الخليج للدراسات الذي انعقد يومي السادس والسابع من أيار مايو 2007 وجاء بعنوان "استعادة الوعي العربي" وشارك فيه عدد كبير من الخبراء والمفكرين والساسة وحشد كبير من الاعلاميين ، وكانت الجلسة بعنوان “ما العمل لاستعادة الوعي القومي العربي؟”،
و في حديث أجرته معه الكاتبة مروة كريدية على هامش أعمال المؤتمر ،حول ما يدور من أمور في الساحتين العربية و اللبنانية أشار ان ما يحكم العلاقات في لبنان اليوم شيئين : المال والانفعال .
وعن تسميته لمرشح لرئاسة الجمهورية القادم أشار إلى أنه يفضل أن يكون الرئيس من خارج الطبقة السياسية الموجودة حاليا مسمّيًا ثلاثة أسماء مشهود لها بالنزاهة ونظافة الكف والوطنية
وفي معرض جوابه عن وضع الإرادة العربية في ظل الإدارات العربية الحاكمة قال : "إن الإرادة العربية تواجه في الوقت الحاضر تحديات جسيمة، منها: بؤر التوتر التي جعلت من الساحة العربية ساحات، فالتوتر قائم في فلسطين ولبنان والعراق والسودان والصومال. والتفجر في مختلف الأرجاء العربية ليس صدفة، فهو فعل إرادة أو إرادات خارجية، والإرادات الخارجية تبلورت مؤخرا في مشاريع أخطرها وأبعدها أثرا مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي تتبناه الإدارة الأمريكية، وهو مشروع تفتيتي يهدف إلى تسليط العامل الصهيوني على المنطقة، وليس من فارق، ولا حتى في التفاصيل، بين ما تسمى استراتيجية أمريكية واستراتيجية “إسرائيلية” في المنطقة، وأخطر من مشروع الشرق الأوسط الكبير هو الطريق المرسوم للوصول إليه، ما تسمى فوضى خلاّقة، ويتساءل متى كانت الفوضى إلاّ هدّامة؟"
وعن استعادة الوعي العربي قال :"إننا نعتبر أن أول شروط استعادة الوعي العربي هو إدراك هذه الحقيقة للهوية العربية والأخذ بها. إنني عربي إذا ما سلمتُ بكوني عربياً أو قررت أن أكون عربياً. هذا إلى كوني ناطقاً باللسان العربي، متشبّعاً بالثقافة العربية، مباهياً بالتراث العربي.
الأوروبيون لا يجمعهم شيء من ذلك، ولكنهم اختاروا، بملء إرادتهم أن يكونوا ذوي كيان واحد يُسمى الاتحاد الأوروبي، والواعز الأبرز للاتحاد كان المصالح المتبادلة والمشتركة، وبين العرب من تلك المصالح والوشائج ما بين الأوروبيين وربما أكثر وأبعد، بهذا المعنى يتراءى لنا أن مطلب استعادة الوعي العربي مرادف لمطلب بعث الإرادة العربية في مسألة الانتماء المشترك."
وعن علاقة الوعي القومي بالوعي الوطني قال : "الوعي القومي لا يتعارض مع الوعي الوطني أو الاجتماعي أو الإنساني، فالوعي الأمثل هو الذي ينطوي على رسالة بمعنى أو بآخر، والرسالة على المستوى القومي إنما تتكامل مع رسالة الأمة اجتماعياً وإنسانياً، فالرسالة القومية تبدو جوفاء خاوية، لا قيمة لها، إن هي خلت من البعدين الاجتماعي والإنساني، فالقومية مجردة من بعديها الاجتماعي والإنساني لا تعود في مستوى الرسالة، فتنحدر إلى مستوى العصبية، والعصبيات بطبيعتها تتصادم إذ تنبري إحداها إلى إلغاء الأخرى، فيما الرسالة تجمع الأمة على قيم سامية مشتركة."
إذا كان هذا فهمنا للوعي العربي، فما العمل من أجل استعادته؟
فالعمل المتاح واسع ومتشعّب، إنه في المنهج التربوي، في دوحة التراث القومي، في كتاب اللغة والأدب، في كتاب التاريخ، في التوجّه الإعلامي الغالب، على كل صعيد وفي كل مجال. هكذا تُنمّى روح الانتماء وهكذا تُثرى، وعلى كثرة الاحتمالات التي ستواجهنا فيما لو استجبنا للسؤال: “ما العمل”، فإننا نكتفي بالسؤال أين نبدأ؟ والجواب هنا أيسر. تبدأ حيث يتيسّر لك، وسواك سوف يسلك المخارج المتيسّرة له، هكذا يُسهم كل منا بنصيب، في تنمية الوعي العربي من جانب أو آخر.
هل يُترك دور كل منا للقدر، للصدف ؟ هل هذا يضمن بلوغ النتائج التي نتوخاها؟ إن يُترك الأمر للقدر والصدفة فإن ذلك سيجعل الحصيلة رهن المجهول، وقفا على القدر والصدفة. وقد تكون الحصيلة كارثية، فكيف يكون للعقل والتدبير دور يوجّه ويصوّب، من هنا تبرز الحاجة إلى قيادة تتولّى ترشيد الخطوات التي تُتّخذ ضمن نمط عقلاني يرسم الطريق إلى الحصيلة المنشودة، من أين ستتولّد هذه القيادة؟
ويجيب قد تأتي القيادة وليدة ظروف طارئة، كالانقلاب العسكري أو تغيير يطرأ على السلطة، فتتولّى ترشيد المسار نحو الأفضل والأفعل، ولكن القيادة الصالحة يُفترض أن تأتي وليدة النظام فلا تُترك للقدر أو للصدفة. أما النظام الذي يولّد القيادة على وجه طبيعي منتظم فهو النظام الديمقراطي.
من هنا، إذا كان لنا أن نتحول من السؤال: ما العمل؟ إلى السؤال: أين نبدأ ؟ فالجواب البديهي سيكون : نبدأ بتنمية الحياة الديمقراطية، فالديمقراطية كفيلة بإيداع زمام القيادة يدَ من يستأهلها، وهي كفيلة بمساءلة المسؤول ومحاسبته على أدائه، فإذا نجح كانت له فرصة المتابعة، وإن لم ينجح كان عليه أن يخلي السبيل لسواه، هكذا يكون لاختيار القيادة قانون، هو قانون الاحتكام لإرادة الناس، حيث القرار يغدو مشاركة، والديمقراطية ضمان الاستقرار الذي لا نمو ولا تطور في غيابه، كما تعلّمنا من تجاربنا القاسية.
وختامًا وإجابة عن سؤال ما العمل؟ نقول ببساطة: تبني المسار الديمقراطي، والديمقراطية نظام وثقافة، وليست مجرد نصب صندوقة اقتراع، فالحاجة هي إلى تطوير نظام ديمقراطي يضمن سلامة التمثيل الشعبي ويؤمّن آليات المساءلة والمحاسبة الفاعلة وينزّه عملية الاقتراع من مؤثرات المال الفاسد المفسد ومن تدخلات الأجهزة الأمنية والعصبيات المدمّرة ويضمن إعلاماً وإعلاناً عادلين. بذلك يتاح لإرادة الشعب أن تبرز حرّة فاعلة، وبذلك نستعيد الوعي العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق