الأحد، 31 مارس 2013

معلولا راهبة آرامية هاربة من الأساطير





معلولا راهبة آرامية هاربة من الأساطير
تخلّد لغة المسيح
 
مروة كريدية - معلولا
مثيرة هي بلاد الشام ! ساحرة أثريةٌ آسرة ! قديمة قدم التاريخ ، صبية نشيطة متجددة ! حورية زاخرة بالأساطير الهاربة من الكتب المقدسة !
قصدت معلولا قاصدة أول ديرٍ في الشام، ولعشقي الكبير للمعابد الأثرية ، بعد ان أمضيت أياما في أزقة دمشق القديمة وحاراتها متنقلة بين القيميرية والعمارة وباب توما، أبحث عن التاريخ الهارب في اسماء الاحياء التاريخية قبل ان تشوهها الحداثة و تبرز اسماء شوارع القرن العشرين الهجينة  من "تشرين" الى " الثورة" !
 
التاريخ ينطق آراميًّا في معلولا !
سلكت باكرًا الطريق الدولي الذي يربط دمشق بحلب متجهة الى الشمال مسافة ما يقارب خمسة وخمسين كليومترًا والى الغرب منه بحوالي ستة كيلومترات ، أطلت معلولا متربعة على سفح جبال منطقة القلمون الشرقية ، وفي قلب الصخور تعشقت البيوت، على ارتفاع 1400 متر عن سطح البحر.
هي قرية من الصخر ناسكة في كهف جبل شاهق ، ومغارات تترنم بتاريخ سنين خلت، ف"معلولا" كلمة سريانة الأصل وتعني المكان المرتفع الجميل ذو الهواء العليل ، وفد تتالت العهود عليها فمن الحقبة الآرامية الى الحقبة الرومانية حيث كانت تسمى باسم "سليوكوبوليس" ، الى العهد البيزنطي حيث كانت معلولا تتبع "مملكة حمص"،  تلك المدينه الهادئة المشعة نور،  التي احتضنت الرموز اللاهوتية من القرن الرابع الميلادي حيث كانت مركزا للأسقفية في المرحلة البيزنطية وصولا الى القرن السابع عشر للميلاد.
 
بلغة المسيح عليه السلام يستقبلك أهالي معلولا،  فما زال التاريخ ينطق آراميًَا هنا! انها لغة سادت منذ القرن الاول قبل الميلاد واستمرت حتى السابع ميلاديًّا، و برغم تحول لغة البلاد الى اللغة العربية ابان  الحكم الأموي بعد ان فرض العرب لغتهم ورموزهم الثقافية، فإن معلولا احتفظت بإرثها الروحي وحافظت على لغتها حتى الالفية الثالثة مبقية على إرث ثقافي اندثر منذ مئات السنين .
وتتميز بيوت البلدة بارتفاع بعضها فوق بعض طبقات بحيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد لتتحول بذلك سطوح المنازل إلى اروقة ومعابر لما فوقها من بيوت لتكون ذات طابع متميز .
ومع اطلالة سبتمبر أيلول يرتاد الزائرين معلولا احتفالا بعيد الصليب الذي يصادف في الرابع عشر منه، حيث تقام القداديس في الكنائس ، فهي تحتوي معالم تاريخية متفردة جعلتها قبلة الزائرين والحجاج المسيحيين وثاني أقدس مكان بعد مدينة القدس وهي مدينة تذخر بالاديرة والكنائس والممرات الصخرية والأضرحة البيزنطية المنحوتة في الصخر في قلب الجبل.
 
 
مار تقلا قديسة هاربة ومعجزة شطرت الجبل !
 
القديسة "تقلا" هي ابنة أحد الامراء السلوقيين وتلميذة القديس بولس أسطورة ميتولوجيّة أحبّها الناس وتناقلوا قصتها، فارتبطت جغرافية المكان وحتى تكويناته الجيولوجية بها،  فالحكاية تدور حول الدير الذي يُعد أول دير رهباني في بلاد الشام وحول "الفج" وهو شق في الجبل يشكل ممراً ضيقاً من طرف الجبل إلى طرفه المقابل وفي هذا الشق ساقية ماء تزيد وتنقص وفق الفصول والمواسم .
 
وتحكي القصة ان الفج تكوّن عندما أراد السيد المسيح حماية " تقلا" الهاربة من حكم الاعدام الصادر بحقها، وفيما يتبعها الجنود الرومان ويتعقبونها للقبض عليها انشطر الجبل وانشق مبقيا تقلا في شطر آمن والجنود في شطر آخر لا يصلون اليها ، وهي "معجزة " تشبه معجزة شق البحر في قصة "موسى مع فرعون " .
 
ولقد تحول الفجّ الآن الى مكان لتقبل "النذور" والتبرّك حيث يتقاطر الناس من كل مكان ليرشفوا من مياها المقدسة وينالوا نعمة الشفاء من المرض والطهارة والنقاوة، حيث يعتقدون بأن مياها مقدسة مباركة شافية ويحتفل العالم المسيحي بعيد القديسة تقلا في 22 تموز يوليو من كل عام .
 
اما بناء الدير فيعود للقرن الرابع الميلادي، حيث بني على مرحلتين :
المرحلة الاولى:  وتتمثل في الكهف الواقع في قلب الجبل الشرقي المطل على الديرالحالي وفي ركن الكهف يقع " مقام وضريح القديسة " الذي يضم رفاتها، وقد أكدت المصادر التاريخية ان البطريرك الانطاكي مكاريوس بن الزعيم قد جزم لرعيته انها دفت فيه فعلا .
المرحلة الثانية: وتقع في جهة المغارة الشرقية حيث توجد كنيسة قديمة تحتوي على  مائدة حجرية ولها مذبح محفور في الصخر. 
أما الدير الحالي فيعود بنائه للقرن الثامن عشر وقد بنته راهبات الدير، حيث بنين غرفهن من أموالهن الخاصة وجعلنها وقفا للدير بعد وفاتهن ، وماتزال حتى الآن  تعيش فيه رهبنة نسائية ترعى شؤونه وتعتني به وبزائريه ، وإذا أمعن الزائر النظر من سطح الدير إلى الصخور المحيطة يجد ما يعرف ب"القلالي" او الخلوة وهي  غرف الانفراد المحفورة في الصخر  التي كانت خلوات للمتوحدين الرهبان الذين ينصرفون إلى الصلاة والتأمل والتقشف والزهد ، فمعلولا احتضنت النُساك والرهبان ممن انصرفوا للعبادة ونذروا حياتهم للاله .
اقتربت من الركن الشرقي الشمالي من المغارة حيث يرشح الماء من سقفها الى صحنٍ يرتفع على قاعدة تمثال بطول متر تقريبا وقد تجمع أصحاب الحاجات يتبركون ، وبرغم من انني لا أؤمن بالعجائب ولم أقدم النذور يومًا الا أني مسحت وجهي بماء بارد أثلج وجهي !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق