السبت، 30 مارس 2013

حضارة قبائل الهنود الأميركيين تنبعث في مانهاتن




 المتحف الوطني شاهد على حضارة سادت قرونًا ثم بادت
حضارة قبائل الهنود الأميركيين تنبعث في مانهاتن
مروة كريدية من نيويورك 


يلخص المتحف الوطني للهنود الأميركيين في نيويورك في الولايات المتحدة مراحل مختلفة من حياة مذهلة بكل تفاصيلها المستلهمة من عناصر الطبيعة، وتسعى إدارة المتحف إلى استضافة كل الفعاليات التي من شأنها أن تُبرز الحضارات الأصلية كالمعارض والمؤتمرات وعروض الأفلام. 

من أمام ميناء نيويورك المطل على تمثال الحرية، يقع المتحف الوطني للأميركيين الهنود، ليكشف عن لحظة تاريخية حاسمة، ويكون شاهدًا حيًّا على حضارات سادت قرونًا طويلة وأفلت، تاركة بصمات لا تنسى للسكان الأصليين، الذين ناضلوا بكل الوسائل المتاحة، مستلهمين مقدساتهم ومعتقداتهم وخبراتهم الروحية كافة من أجل البقاء.
في وقت تسعى فيه إدارة المتاحف في الولايات المتحدة إلى إحياء الخبرات والأفكار الأصيلة للقبائل الهندية التي تكتنز ثقافة لا يستهان بها وفنونًا راقية تعكس ذوقًا إنسانيا رفيعًا يتمثل في تشكيل الألوان وتزين الملابس والمقتنيات، كما تجسد حسًّا نبيلاً في التعاطي مع الآلهة عبر الميتولوجية المتخيلة والتكييف مع عناصر الطبيعة وفصول الحياة.
 إنها حضارة سادت قرونًا طويلة ببساطتها وخبرتها الروحية المستلهمة من عناصر الطبيعة، كالهواء والماء والنار والتراب، بعيدًا عن الأديان السماوية، وبمعزل عن القارات التي شكلت قلب العالم القديم، وكانت بؤرة نزاعات، حيث شكل المحيط الأطلنطي برزخًا طبيعيًا، أطلق عليه الرحالة العرب بحر الظلمات، لصعوبة عبوره، بوصفه أخدودًا مائيًا عملاقًا، يفصل أوروبا وأفريقيا عن القارة الأميركية.
وقد شهدت مدينة نيويورك هجرات متتالية للقبائل الهندية، حيث كان موقعها الجغرافي يشكل نقطة التقاء للقبائل الآتية من الشمال مع تلك الوافدة من الجنوب، ويصف ريتشارد واست  W. Richard West المدير المؤسس للمتحف الوطني هذه الهجرة بأنها كانت من أجل التماس الثروة، حيث كانت تشكل المكان العريق للتبادل التجاري بين الهنود، علاوة على كونها مركزًا فكريًّا للتفاعل الثقافات الأصلية للشعوب، ويأتي دور المتحف الوطني الحالي للهنود الأميركيين مكملاً لهذا التفاعل والتبادل الحضاري بين الشعوب.
ويقع المتحف في المبنى التراثي المعروف "The Alexander Hamilton U.S. Custom House, home of the NMAI’s George Gustav Heye Center" أمام الميناء، وأعيد ترميمه وفتحه للزوار في عام 1987.
إيريكا ماتيو IRKA Mateo باحثة في الانتربولوجية للشعوب الأصلية في الأميركيتين أشارت لنا خلال زيارتنا للمتحف إلى أنه يضم واحدة من اكبر مجموعات الفنون والتحف للأميركيين الأصليين في العالم وأوسعها، مؤكدة أن السجلات تضم أكثر من 1200 فنًّا مدونًّا كتراث عريق يمثل ثقافات وفنون وحرف الأميركيين الهنود أو ما يعرف بالباليو – الهندي "Paleo-Indian"، الذي يشكل الفنون الجمالية والتقاليد الدينية والعادات الطبية والحياتية التي كانوا يمارسونها وتشمل كل القبائل الهندية التي عاشت على القارة الأميركية.
حول أماكن وجود القبائل وطريقة انتشارها قالت: "معظم القبائل تركزت على حدود كندا، وحوالي 6 % من منطقة الكاريبي، و10 % من المكسيك وأميركا الوسطى". 
تتميز مقتنيات المعرض بالمجموعات الأثرية، التي تمثل حوالي 55 %، و حوالي 43 % منها تُعنى بالأمور الاثنوغرافية، وجزء بسيط يضم فنونًا معاصرة وحديثة لا تشكل أكثر من 2 %.
ويليم . س William. S لايزال يحتفظ ببعض الملامح الهندية، كما يطيل شعره الناعم ويجدله أسوة بقدامى الهنود، وهو يعمل حاليًّا كمرشد سياحي في المتحف.
عن البرامج الثقافية التي يستضيفها المتحف، قال: تسعى إدارة المتحف إلى استضافة كل الفعاليات التي من شأنها أن تُبرز الحضارات الأصلية، كالمعارض والمؤتمرات وعروض الأفلام، مشيرًا إلى انه تمّ أخيرًا استضافة مجموعة متنوعة من البرامج المجانية العامة للاحتفال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ الأميركية في شهر التراث، بما في ذلك مهرجان لمدة يومين عن الهوية الثقافية لمنطقة هاواي، والمعرض جاء تحت شعار "هذه هي هاواي،" وتناول حوارات وعروض الأفلام الوثائقية، منها فيلم Kaho'olawe الذي وثق جهود سكان هاواي الأصليين لاسترداد جزيرتهم المقدسة والكفاح المرير الذي عانوه جراء احتلال الغزاة أرضهم وتعرضهم للقصف، حيث كانوا يناضلون ويدافعون عن جزيرتهم بمعتقداتهم المتمثلة في الرقص والخطابة.
وحول مدى تمسكه بجذوره الهندية في عصر أميركا الحديثة الآن وكيفية نظرته إلى الصراعات القديمة وانعكاساتها بين السكان الهنود والغزاة البيض الذين أسسوا الولايات المتحدة، قال لنا مبتسمًا: "الكلام في هذا الأمر قد يثير "العنصرية"، وهو أمر مرفوض تمامًا عند الأميركيين"، مضيفًا: "إنني الآن أميركي حديث، وافتخر بانتمائي، وان ما يميز أميركا الآن هو هذا الامتزاج العرقي والثقافي لمكونات الشعب والحقوق والواجبات التي لا تفرق بين مواطن وآخر".
وقد ارتبطت حضارة الهنود الأميركيين بالخيول والأحصنة، وكانت تعكس صورة المحاربين الرائعة عمق هذه العلاقة، وشكلت نقطة تحول حاسمة في تطور هذه الشعوب من الطور البدائي للمجموعات البشرية إلى الطور القبلي القائم على الارتحال، حيث ساهمت الخيول في سرعة التنقل وتوسيع نطاق الصيد والبحث عن أماكن الإقامة الأكثر دفئًا وأمنًا.
وفي مطلع القرن السابع عشر ومع قدوم الغزاة الأوروبيين، اكتسبت قطعان الأحصنة بُعدًا دفاعيّا وأصبحت أداة لا يمكن الاستغناء عنها، يعتني بها المحاربون للدفاع عن وجودية القبائل، وأصبحت الخيول العدة الأساسية للحروب لصدّ الهجمات والحليف الأمثل لهم في أوقات السلم والهدنة والحرب على حد سواء.
وقد شكل هذا التطور لحظة حاسمة، تطورت من خلالها تكتيكات الحرب، وتحولت عن الأساليب التقليدية نحو تكتيكات واستراتيجيات دفاعية وهجومية أكثر تعقيدًا، كما انعكس الأمر في الأدوات الحربية المستخدمة ونوعية الأسلحة.
كريستين د. س . Kristin .S  فنانة تشكيلية ومتطوعة في المتحف الوطني تعتني بالفنون التي انعكست في التشكيلات التراثية والحرف في حياة القبائل الهندية، تشير إلى عمق البعد الفني الذي يتجلى من خلال الاعتناء بتزيين الأحصنة بالأقنعة الملونة والأدوات، علاوة على الرسوم والأشغال اليدوية، كالتطريز واستعمال الخرز الملون والنقش على الجلود وفن الحفر على الخشب، الذي جسد الكثير من حياة القبائل ووثقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق