مروة كريدية في حوار ل "آفاق" : الأنظمة العربية لا تحترم الحريات
كانون الثاني 7th, 2008
بغداد - حاورها : سعد البغدادي
انتقدت الباحثة اللبنانية مروة كريدية الأنظمة العربية لعدم احترامها الحريات الأساسية الحقيقية للأفراد والجماعات، واعتبرت الحريات الموجودة في بعض الدول العربية "حرّيات شكليّة" تخدم "ملوك الطوائف" و"زعماء القطيع"، وأكدت أن الحرّيات الحقيقية محرّمة في العالم العربي.
وأضافت كريدية في حوار مع موقع "آفاق" بأنه حتى في لبنان عندما يُطرح أي مشروع "مدني"، أو عند المطالبة بمشاريع تأسيسية لمؤسسات مدنية حقيقية يتفق "ملوك الطوائف" أجمعين على تعطيل هذا المشروع، لأن ذلك سيضر بمصالح زعاماتهم بالتأكيد وسينتقص من حصتهم الطائفية في اقتسام المناصب والمنافع.
وفيما يلي نص الحوار:
آفاق - بداية، كيف تقرئين بنية الأنظمة في الواقع العربي الحالي؟
إن بنية الأنظمة العربية وطبيعتها تتفاوت من دولة لأخرى بطبيعة الحال فالانظمة في المغرب العربي تختلف عن المشرق تختلف عن الخليج غير أن القاسم المشترك بين جميع الأنظمة وأسسها الفكرية انها تتمحور حول "شخص"، فهي أبدلت دولة القانون والمؤسسات بدولة "الفرد" سواء كان هذا الفرد "زعيمًا " أو "ملكا" او طائفة مسيطرة او مجموعة او "تكتل واحد مسيطر"… في معظم الدول العربية يبقى "الزعيم" متمسكًّا بالكرسي حتى آخر لحظة في عمره، وليست المشكلة في هذا وحسب بل في المركزية التي تتمحور جوله، فهو يختصر الأمة والشعب في شخصه، ويصبح الشعب مجرد أرقام تدور في فلكه ..
آفاق - يكثر الكلام عن الحريّات في العالم العربي، ألا توجد حريّات فعلية فيه، أليس في لبنان على سبيل المثال مساحة كبيرة من الحرية؟
إن الأنظمة السائدة لا تحترم الحريات الأساسية الحقيقية للأفراد والجماعات، والحريات الموجودة في بعض الدول العربية حرّيات شكليّة تخدم "ملوك الطوائف " و"زعماء القطيع "، في حين أن الحرّيات الحقيقية محرّمة فيه، فحتى في لبنان عندما يُطرح أي مشروع "مدني"، او عند المطالبة بمشاريع تأسيسية لمؤسسات مدنية حقيقية يتفق "ملوك الطوائف" أجمعين على تعطيل هذا المشروع، لأن ذلك سيضر بمصالح زعاماتهم بالتأكيد وسينتقص من حصتهم الطائفية في اقتسام المناصب والمنافع ..
آفاق - هناك تحول جمعي في العقلية العربية نحو ضرورة تبني الخيار الديمقراطي، هل تبني هذا الخيار كفيل لانتشالنا دكتاتوريات متعاقبة؟
لا أعتقد ان هناك تحول جمعي في العقلية العربية ربما هناك رغبة جماهيرية عند الشعوب بتبني الخيار الديموقراطي هذا صحيح، غير ان الديموقراطية لم تزل غير مؤسسة في الوعي العربي، وهناك فرق كبير بين الرغبة والتطلع نحو الديموقراطية، وبين ان تكون الديموقراطية مؤسسة في التربية والفكر ومترجمة في السلوك .
في ظل البنية السياسية الحالية تغيب الديموقراطية، فالنظام الطائفي (واقصد هنا النظام الذي يدور حول شخص) يؤدي الى تغيب دور النخب الفكرية والعلمية في داخله، وبخاصة تلك التي تدعو إلى إحداث تغيير جذري في مختلف مظاهرالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعادة ما يبقى في المشهد "مثقفي السلطان" او من يُشّرع ليل نهار لإعادة انتاج شروط انتاج التركيبة المعهودة، وهذا ما يفسّر وجود الكثير من العقول العربية في المهجر وبلاد الاغتراب، فالمؤسسات الحكومية تعتمد المحسوبيات وتوريث المناصب والكراسي للابناء والاحفاد، بغضّ النظر عن الكفاءات الامر الذي دفع بالكفاءات المبدعة الى الهجرة وترك البلد بما حمل …
كما أن الديموقراطية هي تجربة وسيرورة مستمرة، وليست "فاست فود" يقدم للشعوب، وهنا أخطأت إدارة المحافظين الجدد عندما ظنت أنها يمكن ان تؤسس لديموقراطيات في الشرق الاوسط عن طريق الحلول العسكرية، او العقوبات الاقتصادية، لأن الديموقراطية الحقيقية والحرية تتنافى فع اي لون من الوان التبعية.
آفاق - كثيرًا ما تطرح مروة كريدية قضايا تؤسس للفكر السياسي في كتاباتها لكن ما هي أولى الخطوات، وما هي الاشكاليات؟
إذا أردنا أن نعالج ظاهرة ما في الفكر السياسي العربي، لا بد من الكشف عن الأصول الأيديولوجية الذي تنبني عليه السلطة والدولة في الدول وجدليات السياسة والثقافة واتجاهات الخصوصية لكل دولة ونقائضها.
من خلال الشواهد التطبيقية للقضايا المطروحة و أمام المعطيات جميعها نجد انفسنا أمام إشكاليتين رئيسيتين :
الإشكالية الاولى هي اشكالية الهوية عند بعض الشرائح العربية التي تارة تجنح نحو العروبة كهوية وطورًا نحو الاسلام وتارة تسعى لاستعارة حلول فكرية اشتراكية كانت ام لبيرالية، كما ان بعض الدول مثل لبنان والعراق تجنح نحو الطائفية المذهبية وهنا الكارثة ، فالطائفية السياسية الحالية باعتبارها فكرًا دفاعيًّا عما يعرف بـ"التوازن الطائفي" تتخذ من الهوية المذهبية الخاصًّة حصنًا تتقي به من سائر أوجه التغيير الثقافي والاصلاح السياسي، وترتكز على عقائد أيديولوجية تعتمد الإستبعاد والإنتقاء والإرادوية، وتنفي الشعب في حين تودّ التحدّث بإسمه !!!!
الاشكالية الثانية هي اشكالية التقدم وبناء الدولة الحديثة، وضرورة طرح مشروع جديد لدولة وطنية ترتكز على فصل الدين عن الدولة، و بالتالي فصل الطائفية عن المؤسسات وتكريس ذلك لبناء الوطن الواحد.
آفاق - إذن هل تعتقدين أن المشكل يكمن في الأديان؟
المشكلة من وجهة نظري ليست في الدين بوصفه علاقة بين الكائن والمكون، فكل إنسان يحمل في طيات نفسه واعماق روحه نوع من العلاقة تجاه الخالق، انما الاشكالية تقع في تحويل الفكر السياسي والاجتماعي الى فكر دوغمائي عقائدي، أي فرض نموذج واحد سياسي على الناس بوصفه نموذجًا إلهيًّا مقدسًا، الأمر الذي يوقعنا في دوامة التكفير واستباحة دم الآخر
أما عندها تكون الأديان وكتبها والطبيعة وما فيها هي تجليات للمحبة، باعتبارها سر من أسرار الوجود، فهي عندئذ التي تمنح لكل ذرة معناها الخاص بوصفها نسبة في نظام المطلق، عندها يكون رجوع الكائن الانساني الى نفسه رجوعا الى معالم روحه المطلقة بهذا المعنى فإن الاديان تشكل المحور الايجابي في حياة البشر.
آفاق - ما هي المكونات تأسيس دولة في المرحلة التي تشهد صراعات طائفية؟
لعل أحد أهم مكونات تأسيس دولة حديثة، خصوصًا في مرحلة ما بعد الحروب الأهلية، هو تجاوز تلك الصراعات، وبناء مساحة من التعاون، مبنية على مسامحة حقيقة بين الأطراف، فالصفح يُعد البوابة الرئيسية التي لا بد من المرور بها لبناء ديموقراطية فعلية.
ولعل إحدى القضايا الأكثر جوهرية بالنسبة للرقي الإنساني الحقيقي، تتأسس حول ماهية وكيفية تأسيس الرؤية العقلانية عن التسامح والحرية الحقة والديموقراطية الفعلية، والسؤال الذي يطرح دائمًا حول أي منظومة قيم تلك القادرة على بناء التجانس والإنسجام الفعلي في كينونة الفرد والجماعة والأمة والثقافة والدولة تجاه النفس والآخرين. من وجهة نظري فإن التأسيس الثقافي ينبغي ان يسبق البناء العملي .
آفاق - غير ان الاشكالية بين المثقف العربي والسلطة معقدة، ترى اين تكمن حدود هذه الاشكاليات وماهي اليات الخلاص منها من وجهة نظرك؟
المثقف العربي بشكل خاص وأي مثقف آخر يعاني من مشكلة مع السلطات السياسية، ولا بد من إزالة الاشكالات والأشكال القمعية الداخلية والخارجية الصريحة منها والمقنّعة فالمثقف العربي الحالي يعاني من مشكلة قد تكون غير مُعلنة، لكنّها موجودة مع السلطات السياسية التي تحاول الضغط على المفكرين لكي يصبحوا الأداة التأصيلية التي تضفي الشرعية على النظام والأمر قد يتطور ليصل المثقف إلى السجن ، وهذا على سبيل المثال، أما على الصعيد الشعبي فالأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى.
كما أن المثقف يعاني من مشكلة مع رجال الدين واللاهوتيين و العلماء …. الذين يتتبعون الحركات الفكرية والآراء ليسرعوا إلي إطلاق أحكام قيَمية تبدأ "بالتفسيق" وتصل إلى "التكفير" وتنتهي أحيانا بـ"إهدار الدم".
فلا بدّ من السعي الجاد والمتواصل إلى فتح آفاق العقل و اجتهاداته الناقدة و"التجديد" في الأمور التي يُدّعى عادةً أن لا تجديد فيها، لكي لا يستعبد الإنسان لعنف الإنسان، فعملية الحوار هامة جدا وهي الأداة الفاعلة التي يجب أن تطال كل التيارات الفكرية، ولا تقتصر على الأديان.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق