مروة كريدية وأحمد الدوسري |
أحمد الدوسري :
تجارب الشعوب تم فهمها عبر الترجمة … والمنطقة في فوضى فكرية عارمة
حاورته : مروة كريدية
تُشَكِّل الأعمال الأدبية مسربًا جميلا في حياة الأفراد، وتمنح الإنسان عمقًا وجوديا يتجاوز صور الأحداث ومساراتها، ويتيح البحث العلمي للشخص البعد التقني لممارسة فنون الحياة ، فكيف ان اتقن المرء فنونًا متنوعة أمضى شطرًا من حياته باحثًا عنها مبدعا فيها في بلد يتميز بالرقي الانساني والحضاري على السواء، إنه الشاعر والروائي الناقد أحمد الدوسري الحائز على دكتوراه الفلسفة والحضارات من جامعة جنيف بسوسرا.
ترجم لشعراء صحبهم وأحبوه وخبرأفكارهم فجاءت ترجمته تعبيرا صادقًا عن وجدانهم، منهم موريس شاباز ، سيلفيان دوبوي ، جوزيه فلورتابي بالاضافة الى عمله الأنطولوجي حول الشعر السويسري، و له أكثر من ثلاثة عشر مؤلفًا من بينها "الظلام من الشمال " أمل دنقل شاعرٌ على خط النار" .
و تُشكل دراسته المميزة "اتجاهات الشعر المعاصر في الجزيرة العربية " مرجعًا متنوعًا وقيّمًا ألقى من خلاله الضوء على مسارات الشعر وتشكله في منطقة شهدت طفرة حضارية أثرت على بنيتها الثقافية وانعكست في أعمال شعرائها .
· في كتابك "أنطولوجيا الشعر السويسري الحديث" أشرت الى توغلك المتواصل في نصوص أكثر من 30 شاعر كيف توّصف لنا علاقتك مع الشعر المكتوب باللغة الفرنسية ؟
علاقتنا نحن بالشعر المكتوب باللغة الفرنسية قديمة غير أن التعامل مع النصوص الشعرية بلغتها الأم أو الأصلية عملية مثيرة وممتعة في الوقت نفسه.
ربما قرأنا وعرفنا في السابق تجارب شعرية مهمة، وعرفنا كذلك أعلام الشعر الفرنسي أو المكتوب بالفرنسية عموما عبر جسر الترجمة، لأنني لا افترض أن تكون كل الاجيال الشعرية العربية قارئة باللغة الفرنسية، لكنني كنت اريد أن أقرأ هذه التجارب بلغتها الأصلية . الشيء الآخر هو إيصال أهم التجارب الشعرية الفرنسية السويسرية إلى القارئ العربي. وأعتقد بأن هذا لم يحدث من قبل. وعليه فأنا أول من أوصل أهم الاصوات الشعرية السويسرية الى العربية . سواء عبر ترجمات منفردة مثل سيلفيان دوبوي أو جوزيه فلور تابي او موريس شاباز أو عبر أنطولوجيا متكاملة عن الشعر السويسري الحديث.
· أستاذ أحمد الدوسري ترجمت العديد من الأعمال الشعرية من الفرنسية الى العربية، الى اي مدى كنت أمينًا على المعنى ؟ وهل تعتقد ان الترجمة تفقد المضمون عمقه ؟ وهل يستطيع غير شاعر ان يترجم شعرا؟
أعتقد بالنسبة للشعر من الأفضل أن يقوم بترجمته شاعر، لأن الشاعر لديه أدواته الشعرية، ويعرف بناء الجملة الشعرية جيدا. أما بالنسبة عمق المضمون بعد الترجمة فلا أظن ان الترجمة الممتازة للنصوص يمكن أن تفقد عمق المضمون أو تغير المعنى، لكن هذا شيء وقوة وحرارة العبارة بلغتها الأصلية شيء آخر بالطبع ! وسبق أن قلت في أكثر من لقاء بأن الترجمة افضل مليون مرة من عدم الترجمة. تجارب الشعوب في مختلف المجالات تم فهمها وتقديرها عبر الترجمة.
· لكل شاعرٍ ربما بصمته الأدبية اذا صح التعبير وقد اشرت في مقدمة ترجمتك لاعمال جوزيه فلور تابي إلى ان ترجمتها أسهل بكثير ممن ترجمت لهم من شعراء آخرين ما سبب ذلك ؟
قصدت السلاسة في صياغة عبارتها. فهي رقراقة بدون تعقيدات، أما سيلفيان على سبيل المثال ففي عبارتها الشعرية عمق وملمح فلسفي وإحالات عديدة وهو ما يتطلب عادة من الشاعر جهدا مضاعفا بالرجوع الى ينابيع هذه الاحالات
· يُعد كتابك "أمل دنقل … شاعرٌ على خط النار" من أوسع المراجع والدراسات التي كتبت حول الرجل، لماذا اخترت دراسة حياة دنقل دون سواه من الشعراء الراحلين ؟ لاسيما وان امل دنقل اشتهر بمواقفة الحاسمة تجاه (القضية الفلسطينية) واعذرني ان قلت لك بأن هذه اللغة لم تعد مستساغة الآن .
أمل دنقل من الجيل الذي اتى بعد جيل الرواد الذي حظي بالعديد من الدراسات والكتب. أما جيل أمل فبدرجة اقل. أما هذه الدراسة عن حياته وشعره فقد شرعت بها بعد وفاتة بفترة بسيطة، لذلك عدت وما زالت من أهم الكتب التي صدرت عن هذا الشاعر المتميز.
ولا افهم أي لغة غير مستساغة تقصدين ؟ هل تقصدين لغة أمل دنقل الشعرية الثورية؟ فإذا صارت لغة الخيانة هي المستساغة فمعك حق ؟ لكن تأكدي سيأتي يوم وتعود للشعرية الثورية إلى الصدارة. فهي لم تمت ابدا. إنها جذوة خالدة.
أما مواقفه الحاسمة من القضية الفلسطينية فبالتأكيد معروفة وخير ما يمثلها قصيدته الشهيرة: لا تصالح ! وأنا أيضا قلت في ذلك الوقت: لا تصالح ! والاعتراض هنا على الطريقة والآلية وليس ضد الصلح نفسه ؟ كيف والرسول عليه الصلاة والسلام قد صالح في " صلح الحديبية " !
· بالانتقال الى دراستك حول أدب الجزيرة العربية والاتجاهات الحديثة فيه الذي قدمت من خلاله رؤية جديدة تميزت بعرض تجارب شعرية مميزة رسمت المشهد الشعري في الخليج ،هل لك ان تحدثنا عن الشعر الصوفي تحديدا كون هناك تصور سائد عن تراجع هذا الفن لا سيما مع انتشار السلفية الفكرية في المنطقة ؟
الشعر الصوفي في المنطقة عبارة عن تيار غير أنه تيار ضعيف جدا مثله في أحد الايام شعراء مثل احمد العدواني وخالد سعود الزيد من الكويت والدكتور عبدالعزيز المقالح من اليمن في احدى مراحله الشعرية.
أنا نفسي كتبت شعرا صوفيا ان جاز التعبير غير ان المشهد الشعري قد سيطرت عليه، للاسف او ليس للاسف، تيارات فنية وشعرية مناقضة للنزعة الروحية التصوفية. فهناك السلفية الفكرية وهناك السلفية الانحطاطية وهناك التشبه بالنساء والتشبه بالرجال في الشعر ! بعد مرحلة التشبه بكل ما هو غربي ! نحن في المنطقة في فوضى عارمة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق