مروة كريدية تحاور محمود شمّام |
محمود شمام: العقل العربي متوقف منذ عشرة قرون
الأمة خرجت من التاريخ ولا تقدّم شيئًا للإنسانية و البداية تكون بالتعليم وفصل الدين عن الدولة
حاورته : مروة كريدية - 12 مايو 2010
شهد العقد الأخير انطلاق عدة مؤتمرات ومنتديات إعلامية عربية ، وإن كان هذا الأمر يُعدّ خطوة إيجابية في خلق شبكة تعارفية بين الإعلاميين والصحفيين العرب إلا أن السؤال الأهم يتعلق حول المضاميين الفكرية والمردودية التي تنتج عن هكذا فعاليات وعملية متابعة التوصيات وتنفيذها، فالكثير من المراقبين يرون أنها لا تعدو عن كرنفالات تخصص لها ميزانيات ضخمة وهي عارية عن الانتاجية الفعلية، ايلاف التقت على هامش منتدى الاعلام العربي 2010 بالاستاذ محمود شمام مدير تحرير مجلة "فورين بوليسي" العربية وعضو المجلس الاستشاري للشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام، وكان معه هذا اللقاء العفوي الذي تجاوز "الاعلام" ليتناول الإشكالات الفكرية الحقيقة الكامنة وراء تخلّف الاداء الاجتماعي والسياسي .
· بوصفك أحد أبرز خبراء صناعة الاعلام في المنطقة كيف تقيم انتاجية المنتديات الإعلامية ؟
معظمها مهرجانات إحتفالية؛ وبعضها يحتوي على محتوى لابأس به. تكمن أهميتها في خلق ما يسمى بشبكة العلاقات وهي فرصة سنوية لإجراء العديد من الحوارات الجانبية المهمة وهي بهذا التوصيف تؤدي هذا الدور.
· وماذا عن منتدى الاعلام العربي الذي شاركت فيه كمتحدثّ حول"تجسير الفضاء بين المغرب العربي ومشرقه" حيث تمت الدعوة إلى إطلاق مشروع إعلامي متكامل؟
مؤخرًّا بدءنا نلمس جديّة أكبر في المنتدى، وهذه الدورة تطرح مواضيع محددة إلى حدّ كبير وتعالج قضايا جيدة منها جلسة التي أشرت اليها وفيها محاولة لتجسير الفضاء الآسيوي، يوجد هناك مشكلة لغة أو تواصل بين المشرق والمغرب العربيين، إلا أن الخلاف ثقافي بطبيعته .
فعلى الرغم من ارتفاع عدد الفضائيات في المشرق العربي، والتي زادت على 638 قناة، منها 30 فضائية مغربية فقط، إلا أن هذا الكم الهائل يركز في طرحه على الإثارة الاجتماعية وصولاً للإثارة السياسية، وقلة قليلة هي التي تتحدث بموضوعية ومهنية. أما عن سبب قصورنا من الناحية الإنتاجية فمردّها الظروف التي مرت بها دول المغرب العربي دون استثناء .
كيف ترى "مستوى" المنتدى ؟
هناك ندوات أخرى في المنتدى نأمل أن تتم بشكل جيد وفيها إثراء للمشهد الاعلامي، في نهاية المطاف المنتدى الاعلامي لن يكون أعلى مستوى من الصحفيين والاعلاميين العرب أنفسهم .
· تحديدًا فيما يتعلق بمستوى الصحفيين والاعلاميين العرب أستاذ شمام… ألا تعتقد بوجود نكوص ثقافي وفكري حادّ في واقع الصحفيين المشتغلين بالاعلام العربي…حيث يطغى وجود "الاعلامي النجم" على حساب "الصحفي الباحث والاعلامي المفكر" ان صح التعبير ؟
تاريخيًّا الصحافة مرتبطة بالثقافة ، وقد امتاز الجيل الأول المخضرم من الصحفيين أنهم كانو قرَّاء نَهميين وهم علاوة على ذلك منهم الروائي ومنهم الشاعر … فلم يكونوا أصحاب مهنة صحافة وحسب … المشهد الآن مختلف .
· وما هو سبب هذا التراجع ؟
تجدر الاشارة الى أمر مهم: الحقيقة هناك نقلتين خطيرتين أثّرتا في الثقافة العربية ؛ الأولى هي انتشار الترانزيستور فتحول الانسان في تلقيه للثقافة من المكتوب الى الشفهي ، اي من اعتماده على القراءة الى مجرد الاستماع، وكانت هناك مقولة تشير إلى ان ثقافة العرب في تلك الآونة تحكّم في توجهها ثلاثة " الرئيس جمال عبد الناصر و المطربة أم كلثوم وصوت العرب" .
النقلة الثانية هي انتشار الفضائيات وقد تحول الناس فيها من الاستماع الى المشاهدة، فتحول من المشهد الكتابي الى المشاهد.
· هل يمكن ان نعتبر اننا انتقلنا من ثقافة الأبعاد المتعددة التي تتعامل مع كلّية الانسان الى "التسطيح" اوالبعد الواحد؟ فاختُذلت الثقافة المتكاملة الى "ثقافة الأذن" ثم الى "ثقافة الصورة"؟
نعم ان شئت فلنقل انه بدء إعلام الحاسة الواحدة بدلا من الحواس الخمس .
· اين نحن الان بعد أن تجاوزنا عصر الاعلام الفضائي؟
الآن بدء العصر الإلكتروني، وفي تقديري هناك أخبار مهمة للغاية تتطلب حد أدنى للمهارات والقدرات وهنا نكون على أبواب مرحلة جديدة حيث الصحافة ستعود من جديد للبحث والقراءة .
· أين ترى السبب الحقيقي الكامن وراء تراجع الفكر العربي و ثقافته؟ هل في الانظمة السياسية التي تتدخل في كل شاردة وواردة مثلا؟
المشكلة التي تؤرقني تجاوزت أنظمة الحكم، فالانظمة مقياس جيد للشارع العربي، ما يزعجني حقيقة أنّا بدءنا نخرج من التاريخ كأمّة لاتقدّم شيئًا للإنسانية، اصبحت أمة ناقدة وهي عاجزة عن رؤية العجز الداخلي ويتجلى ذلك في عدم قدرتها على الحوار والانتاج .
· ربما الاتفاق الوحيد الذي يكاد ان يجمع عليه "العرب" أنهم "عاجزون"، لكن من أين نبدء إذن؟
البداية تكون بالتعليم وفصل الدين عن الدولة ، واجبنا في جعل خطابنا خطابًا مدنيًّا بحيث ننتجه وفق حقوق مدنية .
· ولكن هناك العديد من الدول العربية تدعي أنها فصلت الدين عن الدولة عبر مشروع "الدولة القومية " منذ منتصف القرن الفائت الذي شهد ولادة "الجمهوريات " في الوطن العربي بيد اننا نجد ان العقل "الديني" والعشائري " مازال هو المتحكم في كل شيئ؟
لم ننجز تَشَكّل الدولة القومية التي هي بديل للنظام العشائري أو الديني، ولم ننجز الدولة التي يتحول فيها الناس من رعايا إلى مواطنين. الأمر المؤسف والكارثي أننا نعيش عصر الدولة الأسوأ في التاريخ لاننا أخذنا من القبيلة أسوا ما فيها واخذنا من الدولة القومية اسوأ ما فيها .
· نعم أصبحنا أمام حالة عجائبية "جمهوريات ملكية" توّرث! وما من أحدٍ بمزحزحهم عن مناصبهم .. لقد صُدمنا بالأمس من تمديد قانون الطورائ في مصر المعمول به منذ مايقارب 30 عام !
كان هناك بوادر تشكيل دولة حقيقية. لكن الامة لم تُنشأ دولتها القومية بل عادت الى مراجعها الرئيسية . الملكيات الدستورية أفضل بكثير من الجمهوريات الاستبدادية .
· هل انت متفائل ؟
نعم متفائل، لأننا إذا لم نتفاءل لن نهزم مشروع الهزيمة لأننا إذا فقدنا البوصلة داخليًّا فقدنا الرغبة في العيش.
مداخلة : أستأذنك استاذ محمود قليلا للغوص في عمق الأزمة الفكرية وعملية التراجع عن انتاج النقد والفلسفة والتحليل الذي تنبني عليه إبداعات الأمم، لازال المَنطق الأرسطي القائم الفصل التام متحكم بنا بِعنف ثنائياته "الخير والشر" "الخطأ والصواب "…ولم نتمكن الى الآن الانعتاق من أسر هذا الفكر الاحادي؛ هناك توجه في بعض المدارس الفكرية يتمحور حول ايجاد منطق مخالف للمنطق الأرسطي من خلال طرح فكرة وجود مستويات متعددة للواقع تختلف فيها الاحكام وايجاد ما يُعرف بالمستوى "الثالث المشمول" فلا يوجد " مع او ضد " بل هناك مستوى تجتمع فيه المتناقضات.
· اين تجد الفلسفة العربية حاليًّا ؟
الفلسفة انتهت من الفكر العربي الإسلامي منذ القرن الرابع الهجري منذ ان توقف الجدال العقلاني بين المعتزلة و غيرهم من الفرق الكلامية .
تصّوري أمة متوقفة عن التفكير الفلسفي منذ عشرة قرون ! ما نراه من اضمحلال نابع من هذه النقطة اننا لم نعد ننتج فكريا .لم نعد نفكر !
والفكر هو الذي يضع الأسس الحقيقية لانتاج أنظمة ملائمة للعيش سياسيا واجتماعيا وتربويًّا…
نحن الان بين سَلَفِيَتَيْن : سلفية العودة إلى القديم و سلفية " التغريب" .
لقد شهدنا نشاط الفكر الجدلي في القرون الأولى بعد ظهور الإسلام ونشوء فكرة الأمة .
· هل لا زال مفهوم "الأمة " قائم الآن ؟
ليس هناك أمة. فبدلا من الاشتغال في توصيف البعد المادي للأمة المتمثل باللغة… والجوارالجغرافي للأمم المحيطة بها…الأفضل ان نتساءل: هل حَقًّا نحن خير أمة أخرجت للناس ؟
· هل يمكن ان توّصف لنا العرب الان بكلمتين مثلا؟
"أمة محلّك سرّ"… لأنها متوقفة عن الانتاج ووضعها متخلّف، أو ممكن ان نسميها " أمة خارج النص" تعيش تخلف أيديولوجات جديدة .
· بعيدًا عن الفكر وأقرب من القلب… بعد عمرٍ من الخبرة الانسانية وعلى مستواك الشخصي استاذ محمود شمام ماهو أجمل مافي الحياة؟
أنا لا أستطيع أن أعيش خارج نطاق الناس أستمتع جدًّا بالحوار مع الآخر وهذا خلق لي صداقات ممتدة ومميزة وهو أجمل ما في الحياة .
· هل البريق الاعلامي والشهرة تستهلك إنسانيتك ؟
لا أبدًا الاعلام لم يستهلك إنسانيتي، أجزم أن الأغلبية الساحقة من علاقاتي لا تقوم على أسس مادية .
اشكر لك بامتنان ومحبة سعة صدرك في هذا الحوار المرتجل .
محمود شمام في سطور :
يشغل محمود شمام منصب مدير تحرير مجلة "فورين بوليسي" العربية وعضوية المجلس الاستشاري للشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام. وقد شغل شمام قبل ذلك عدة مناصب إعلامية مهمة حيث عمل مديراً لتحرير مجلة نيوزويك العربية، ومدير مكتب صحيفة صوت الكويت، ومدير مكتب صحيفة الوطن بواشنطن، ونائب الرئيس التنفيذي لشركة هوت سورس للإعلام. وهوعضوسابق في مجلس إدارة شبكة الجزيرة الفضائية.
محمود شمام يعرّف بنفسه :
ولدت في بنغازي في ليبيا 29/12/1947 بشارع نبوس ترعرعت في منطقة سوق الحشيش قرب بيتنا وفي سوق الحوت حيث محل والدي. وهذا ما قربني من أجواء السياسة والصحافة، فقد كان مقهي سي عقيلة على ناصية شارع نبوس ملتقى الصحفيين لقربه من المطبعة الحكومية، وكان سوق الحشيش يعج بالنشطين السياسيين والأدباء: طالب الرويعي.. يوسف الدلنسي.. مفتاح السيد الشريف… مفتاح مبارك الشريف.. الصادق النيهوم.. خليفة الفاخري.. أبوبكر الهوني.. حذيفة الهوني.. خديجة الجهمي.. محمد حمي وغيرهم كثير.
منطقة سوق الحوت كانت منطقة تحرك الساسة المخضرمين: الشيخ مصطفى بن عامر.. أحمد رفيق المهدوي.. الشريف الماقني.. حسين وعبد ربه الغناي.. ثم بيت عمر باشا الكيخيا على طرف سوق الحوت حيث كان منطلق (الأنتلجينسيا) السياسية البرقاوية في ذلك الوقت، باختصار كانت النخبة السياسية على مرمى حجر مني وربما ابتدأت العدوى السياسية منذ ذلك الوقت.
بدأت دروس الجامع على يد الفقي الأمين الأسكندراني، قبل أن ألتحق بمدرسة (اللوتو قروبو) قرب ضريح عمر المختار. في السنة الثانية انتقلت إلى مدرسة الأمير الابتدائية عندما كان ناظرها الأستاذ عبد العزيز الأبيض ومن مدرسيها: بن عروس مهلهل.. نصر إبراهيم.. مصطفي ومحمد القرقوري.. طالب الرويعي.. المبروك بوزعكوك.. السنوسي الدغيلي.. شعبان الضراط.. والمبروك الضراط.. خالد الغناي وعبد السلام قادربوه.
درست الإعدادية في مدرسة بنغازي الثانوية في جليانة ثم في مدرسة شهداء يناير عند افتتاحها الذي توج بمظاهرات 13-14 يناير 1964 والتي شاركت فيها كأول نشاط ذي طابع سياسي. تحصلت على الثانوية العامة ثم التحقت بكلية الآداب بالجامعة الليبية وشاركت في تأسيس الاتحاد العام لطلبة ليبيا عام 1966.
تخرجت عام 1970 وعملت بالجامعة الليبية حتى تم إحالتي للخدمة المدنية بقرار من الرائد عبد السلام جلود رئيس الوزراء حينذاك. أوفدت للدراسة في الولايات المتحدة عام 1973 لكن قطعت بعثتي عام 1975 السنة التي حصلت فيها على درجة الماجستير من جامعة ولاية ميتشغان حيث عدت إلى الوطن في أكتوبر 1976. في أثناء وجودي في الولايات المتحدة كنت ناشطا في منظمة الطلبة العرب وكنت مسؤولها الإعلامي كما أسست وترأست تحرير مجلة المسيرة الناطقة باسمها. غادرت ليبيا بعد أحداث يناير عام 1976 إلى ألمانيا لمدة 7 أشهر ثم إلى الولايات المتحدة حيث فيها حتى الآن.
تفرغت للنشاط السياسي من 1978 حتى 1984 وترأست تحرير مجلة الوطن الناطقة بلسان الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية حتى تجميد نشاط الجبهة في 1988. كما شاركت في منظمات العمل المدني بالتحاقي بالكشافة عام 1958 وتطوعت للتدريس في المدارس الليلية كما تطوعت في جمعية الكفيف منذ إنشائها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق